الأستاذ محمد قاسمي يكتب: فشل الحوار مع نقابتي التعليم العالي.. ماذا بعد؟
سبق أن طرحنا للنقاش مسألة العمل النقابي بالتعليم العالي بين الوحدة والتعدد وطبيعة الجدل الذي رافق حيثيات تأسيس إطار نقابي جديد في التعليم، ونريد هنا العودة إلى موضوع الوحدة النقابية بعد تلكؤ الوزارة الوصية من كل التزاماتها السابقة مع الوطنية والمغربية حول الملف المطلبي العادل والمشروع للسيدات والسادة الأساتذة الباحثين والقضايا الأخرى المرتبطة بإصلاح منظومة التعليم العالي. والواقع أن تملص الوزارة الوصية من كل التزاماتها وتعهداتها نابع من إحساسها بحالة الضعف والوهن الذي أصاب الجسم النقابي في التعليم العالي، وانشغال الهيأتين النقابيتين باستقطاب المنخرطين والمناضلين بكل الأساليب عوض التفكير في إمكانية توحيد العمل النقابي في إطار نقابة وحيدة وموحدة قادرة على انتزاع مطالبها بكل الأساليب النضالية المشروعة.
إن تقوية العمل الوحدوي، باعتباره هدفا استراتيجيا، يسمح بتجميع الطاقات والكفاءات التي تزخر بها النقابتين في إطار جسم نقابي موحد ومنفتح على كل الحساسيات الفكرية والأيديولوجية على أن يتم التركيز على الأهداف المشتركة والمصالح العليا للأساتذة الباحثين في أفق تعديل ميزان القوى لصالح العمل النقابي في العمليات التفاوضية. ومن هنا تأتي أهمية الدعوة إلى العمل الوحدوي الذي من شأنه تقوية العمل النقابي كهدف استراتيجي.
إن توحيد العمل النضالي بين النقابتين خلال الإضراب الوطني الأخير خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ولكنها تبقى غير كافية في ظل حجم التحديات التي تفرضها طبيعة المرحلة التاريخية التي أثرت سلبا على العمل النقابي ومخرجاته. ووعيا بدقة المرحلة وحساسيتها، تنبع دعوة النقابتين إلى ضرورة توحيد العمل النقابي خلف هدف واضح يحفظ مصالح السيدات والسادة الأساتذة الباحثين، وذلك بإعادة هيكلة المؤسستين النقابيتين في إطار جسم نقابي قوي وموحد يحكمه قانون أساسي ونظام داخلي يضمنان ديمقراطية العمل النقابي وشفافيته ونزاهته، ويشكل رافعة حقيقية لأي عمل نقابي مستقبلي يروم الدفاع عن المطالب المشروعة للسيدات والسادة الأساتذة الباحثين من موقع تفاوضي جديد مبني على الشرعية التمثيلية والمشروعية التاريخية.
وعليه فإن الأولوية في الوقت الراهن، بعد فشل الحوار بين النقابتين والوزارة الوصية حول النظام الأساسي، تتجسد، بالعمل كل من موقعه، باتجاه بوصلة الوحدة، من خلال الشروع الفوري بالعمل المشترك لإنجاز مشروع الوحدة النقابية، على قاعدة الايمان الراسخ بأن الوحدة النقابية ضرورة حتمية وخطوة مقدسة يمكن تحقيقها عبر الحوار البناء والنقاش الفعال.
إن مخرجات الاجتماع الأخير بين النقابتين والوزارة الوصية مؤشر خطير على التدبير الأحادي والعلني لقضايا التعليم العالي، ومحاولة مكشوفة لفرض الأمر الواقع، مستغلة حالة الانقسام النقابي وعزوف القواعد عن العمل النقابي، لتمرير مشاريعها “الإصلاحية” التي تضرب في العمق كل المكتسبات المرصودة. مما يستوجب التسريع في تشكيل قوة ضغط وتأثير من ناحية، وفرز شريك نقابي حقيقي يمثل كافة الأساتذة الباحثين، يتحدث باسمهم ويعبر عن مشاكلهم وتطلعاتهم من ناحية ثانية، ولن يتحقق هذا الأمر إلا بوحدة العمل النقابي في جسم واحد، على قاعدة مصلحة الجامعة والجامعيين.
وبطبيعة الحال فإن العائق الأساسي الذي يقف وراء تحقيق الوحدة النقابية المنشودة في التعليم العالي هو تمسك كل هيئة نقابية بمرجعيتها الفكرية والأيديولوجية، وغياب عنصر الثقة بين الطرفين مما يؤثر سلبا على الأداء النقابي وعلى مخرجات الحوار مع الوزارة الوصية. وهنا لابد من التنبيه إلى أن العمل السياسي ظل عير التاريخ رافدا أساسيا للعمل النقابي من خلال تقوية المكون النقابي بمناضلين سياسيين يتوفرون على تكوين فكري وإيديولوجي. غير أن هذا الحضور السياسي يجب أن يصب في اتجاه استقلالية العمل النقابي عن العمل السياسي، والعمل على تقوية العمل النقابي، الذي من شأنه أن يسهم بشكل تلقائي في تقوية المرجعية الفكرية والأيديولوجية والسياسية للقيادة النقابية. وفي المقابل فإن التضحية بالعمل النقابي من أجل مكاسب سياسية ضيقة سيؤدي حتما إلى خفوت العمل النقابي وأفول المرجعية السياسية والحزبية.
* أستاذ التعليم العالي – جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة