بوجمعة الكرمون يكتب: ميتافيزيقا مونديال قطر!
مسلمات كثيرة تحطّمت في مونديال قطر. المنتخب المغربي وصل إلى نصف نهائي كأس العالم، وكذّب أطروحة تفوّق الكرة الأوربية، وتخلّف نظيرتها الإفريقية، كما عرّى وهما كبيرا عشّش في ذهنية العالم، واستمر عقودا طويلة؛ وأكد أن الوهم لم يكن سوى عجز الإرادة، وإخفاق العزيمة، وعدم إسناد الأمور لأهلها!
وفي ضوء هذا الانقلاب الذي يمزج بين صحوة النفسي وواقعية الفعل، ظهرت مفاهيم جديدة آمن بها المغاربة، وجعلوها ” دينامو ” الارتكاز داخل رقعة الملعب؛ تُهيّج اللاعبين، وتُحمّسهم على مزيد من البذل، وكأنها عصا سحرية تخلق الفارق في لحظة الشعور بالهون.
الرضا، النية، سيير، الوالدة، الإيمان.. ومفاهيم أخرى تداولتها الصحف العالمية، وغطّت دلالاتها مواقع عربية وأجنبية، حيث السؤال العريض الذي تلوكه الألسن هو: ما علاقة الرضا بالعطاء ؟ وهل في حضور أمهات اللاعبين لمتابعة أطوار مباريات الفريق الوطني ما يمنح الثقة، ويشحذ الهمم !؟ ثم ما معنى أن يدعو المدرب الركراكي إلى الالتزام ب” النية ” ؟ وهل النية مضمون مادي أم سيكولوجي- روحي!؟ وإلى أي حد يمكن أن تسعف” الميتافيزيقا ” في تحويل الانتصارات من وجودها بالقوة (كاحتمال وإمكان) إلى وجودها بالفعل (كتحقّق وإنجاز)!؟
لم تعد كرة القدم مجرد رياضة، لها أدوات اشتغالها، وطرق تدبير فلسفتها، بل أصبحت متصلة بفِكر، ومحيط، وغايات، وأهداف، وتحقيق إنجاز عظيم لم يعد رهينا بقدرة على الإبداع في الميدان، ولكن أصبح رهينا، أيضا، باستدماج معاني كثيرة تجعلك ” تجاهد لأجلها “، ومن جملتها الوطنية، الغيرة، الحب، الوفاء.. وكلّما ماتت في دواخلنا هذه المعاني، وتلاشى الشعور بها، أضحى العمل مملا، وباتت النتيجة مستحيلة.
واضح جدا أن مونديال قطر خلق رهانات كبرى، ونحت مفاهيم جديدة، وأعاد ترسيم خطوط التماس بين الممكن والمستحيل، كما أعاد تحديد خارطة طريق الروحانيات، وجعلها رأسمالا منتجا، ونبعا يغذي الطاقة الخلّاقة، ويؤكد عمق ما يردّده المغاربة ” مرضي الوالدين عمرو يخيب”.
سأل المستحيل الممكن: أين مقامك!؟ أجابه: في قلب كل حالم! أولم يكن الحلم بداية عمل الركراكي؟ فبقدر حلمك تكون نتيجتك، والحلم لا يعدو كونه تراكمات لرغبات جامحة، وليس من العيب في شيء أن يحلم المرء، وأن يرسم لنفسه مسارا سالكا لتحقيقه، وكلّما ووجه بالسخرية، والازدراء، ازداد يقينه بالممكن؛ بالعمل الجاد، وبرضا الوالدين وبلازمة ” سيييير “.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة