بوجمعة الكرمون يكتب: النيّة وقلّة النية.. دروس قطَر!
وجب التنبيه إلى أن مفهوم النّية ليس مفهوما جديدا في الحقل التداولي المغربي، وليس منتوجا خالصا لوليد الركراكي، مدرب الفريق الوطني، ولكنه أصل التجربة التي عاشها ويعيشها المواطن المغربي؛ فالنية جزء من تركيبة حليب الأمهات، وعلاقة كل منّا بثدي أمه تتجاوز الإشباع البطني، لتمتد لإشباع آخر يقوم على النية، الصفا، المعقول، المحبة.. لكن وإذا كان الحال كذلك، ما دام أن الأصل هو النية، فما مصدر قلّة النية؟ كيف تنشأ الحيلة والتحراميات!؟ وهل فعلا النيّة ونقيضتها ميتلقاوش !؟
واضح أن مناسبة كأس العالم أحيت مجموعة من القيم، وأعادت إلى الواجهة طقوسا احتفالية غارقة في الارتباط بالأسرة، وبالقيم التي تنتجها. لكن وبقدر ما ابتهج البعض لهذا الشكل الاحتفالي، لم ترق البعض الآخر توظيف هذه المعاني المتأصلة في مناسبة كروية عالمية، خوفا من رسائلها العميقة، وخشية تمدّد السلوك المصبوغ ب” تمغربيت ” في شتى السياقات الاحتفالية، وهذا جد مهم بالنظر للتفاعل الكبير الذي خلقته توليفة الأمهات، السجود، القبلات، علم فلسطين..
إن السبب المنتج لقلة النية، باعتبارها الوجه النقيض للنية، يرجع لتراكمات كثيرة تنهل من تربية لا ترى في الآخر عدا كونه شيئا، رقما، سلعة، همزة ، بل حديدا وجب ” ضربه ما حدّو سخون “، ويتعمّق شعور الفرد بقلة النية كلّما اتسعت دائرة الباحثين عن الهمزة، وبات التنافس بينهم مشتدّا في ظل غياب آليات الردع، واضمحلال أطروحة ” مول النية يربح ” ما دام أن الواقع ينطق بانتصار قلّة النية، وتفوق مول الحيلة.. لكن أي انتصار !؟ وأي تفوق !!؟
في قول الله عزّ وجل ” فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”، إذ كل خالص يبقى لينتفع به الناس، وكل خُبث يتلاشى، والعبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بلغة أهل الأصول، والنيّة الصافية حقٌّ أريد به منطوقه وهو الحق، أما قلّة النية فحقٌّ أريد به مفهومه وهو الباطل، وشتّان ما بينهما، وحيثما وَجدْت النية – ومحلها القلب عند ابن تيمية – وَجدْت الصْفا، وحيثما صادفت قلّة النية صادفت كل ما ينطوي على الخداع والنفاق، وكل عمل فيه جُهد، ومثابرة، تضمن النّية كماله، لأنها أساس كل عمل صالح.
ختاما، مونديال قطر لم ينتج الفرجة فحسب، بل أنتج معاني عميقة، وأحيي أخرى متجذرة في وجدان الفرد، ساد الاعتقاد بفنائها، وبلاجدواها في ضوء المراهنة على قيم الحداثة، والعقلانية، قبل أن يصدح صوت الركراكي مردّدا ” ديروا النيّة “، وقبله صدح صوت الحق معلنا ” مول النية يربح ” !
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة