بوجمعة الكرمون يكتب: “عيد العرش.. خطاب ملكي بمفاهيم فلسفية”
استمعت لخطاب جلالة الملك الذي وجهه إلى الأمة مساء أمس السبت بمناسبة عيد العرش المجيد، لكن ما أعجبني فيه كثيرا توظيف مفاهيم فلسفية عميقة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الرهان الحقيقي منصبّ على ضرورة الوعي بأهمية تنزيل المشاريع والأوراش على أرض الواقع.
الخطاب تركّز على مفاهيم بعينها، وجعلها محور الفعل السياسي الذي يروم تحقيق الانتقال التنموي، ودعم مسارات الارتقاء إلى المرحلة الجديدة، بما يضمن تنزيل الإصلاحات التي يتطلع إليها المغاربة.
عنصر النفي كان حاضرا في لغة الخطاب، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على ازدواجية الفعل السياسي الذي ظل لصيقا لمنطق التنظير، بينما يقتضي الأمر تجاوز فلسفة التنظير إلى فلسفة العمل، وهذا ما أكده ملك البلاد من خلاله قوله ” ما ندعو إليه ليس شعارا فارغا أو مجرد قيمة صورية ” لأن دلالة مفهوم الصورية تعني غياب الارتباط بالواقع، وكلّما غَرقت المشاريع والإصلاحات والأوراش في الصورية، وغلب عليها طابع التحليل، فقد الفعل السياسي مصداقيته، وتفاقمت كل أشكال الإقصاء المجتمعي.
خطاب الملك – بصرف النظر عن محاوره الكبرى – هو بمثابة رسالة موجهة للكل، لكنها رسالة موقعة بميثاق هوياتي شدّد عليه الملك؛ يتعلق الأمر بمفهوم القيمة، وعلاقتها بالقيم التي ينهل منها المغاربة، كالصدق، التفاؤل، الاجتهاد، والجدّية.. ولعلّ التركيز على مفهوم الحدّية يحمل أكثر من دلالة، بالنظر إلى كون الخطاب هو في العمق كشف عن حصيلة، ومساءلة لسياقات وطنية ودولية.
لغة الخطاب بما تضمنته من دلالات ليست معطى جاهز، ولكنها منهجية عمل تنضبط لخطوات، وتبنى وفق منطق سبب/ نتيجة وفي هذا الباب قال الملك ” كلّما كانت الجدّية حافزنا كلّما نجحنا في تجاوز الصعوبات ورفع التحديات”، خصوصا عندما يتعلق الأمر بفئة الشباب التي إذا ما توفّرت لها الظروف صنعت المعجزات.
مضمون الخطاب الملكي يفرض طرح مجموعة من التساؤلات، وهي في الأصل تساؤلات جوهرية لتجاوز صورية الفعل السياسي، فهل تسعف النخبة السياسية في تنزيل مضامين الخطاب الملكي ؟ وإلى أي حد يمكن المراهنة على الجماعات الترابية من أجل أجرأة حقيقية للبرامج والأوراش!؟ ثم هل هناك إرادة حقيقية ( وجدّية لازمة ) لترسيخ معنى الحكامة في ضوء الخفوت الذي بات يحكم واقع التنمية المحلية ؟
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة