بلال مرميد يكتب: هي فوضى؟
زلزال ثم صدمة، وبعد الصدمة بدأنا في تعقب ذلك الخيط الرفيع المؤدي إلى الحياة مجدداً. خلال الأيام العصيبة التي تلت وقوع الفاجعة، تحرك كل المغاربة لدعم الضحايا والمنكوبين بطريقة أبهرت العالم، وفي الخلفية تسللت كائنات طفيلية تقتات من جذور ألم الآخرين. أشخاص يحملون ميكروفونات، ويتفننون في كل الحقول الدلالية للوقاحة وقلة الأدب، وأطباء صاروا يتنافسون في إطلاق اللايڤات، والتباكي وادعاء التأثر، وجلب أكبر قدر من متابعين، وطبعا انضم للقائمة كثير من أشباه فنانين لم يخجلوا من تصوير كل لحظة قدموا فيها بيدهم اليمنى ما استردوه باليسرى بعد أن صوروا المشهد، وقدموه للخلق على صفحاتهم النتنة. في الوقت الذي كان فيه أفراد القوات المسلحة الملكية، والوقاية المدنية، ورجال الشرطة والدرك والقوات المساعدة، والأطقم الطبية، يشتغلون دون توقف، بعيداً عن الضوضاء والأضواء، كان رواد البهرجة يسارعون للوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً لالتقاط الصور، وتصوير مشاهد أفلام قبيحة استفزتنا مقاطعها، وعبر كثيرون منهم للعب على وتر العاطفة، واستغلال الأطفال، والتلاعب بأحاسيس ووهن بعض من أهالي الضحايا المساكين.
هي فوضى؟
تحركت الأرض، وهب المغاربة لنجدة إخوانهم، وجعلنا الصحافة العالمية تنقل بطولات أبناء جلدتنا، وتركنا بعضاً من وسائل الإعلام الفرنسية اللئيمة تعيش في وضع تسلل. رحب بلدنا الذي نهيم في حبه بكلمات التضامن الصادقة التي وردتنا من كل بلدان العالم، ولم نقبل بفتات كثير من تافهين. بطولات مغربية تستحق منا أن نصفق لأبناء وطننا، مع ذلك هناك عينات يجب أن نذكرها بحقارتها حتى لا يتكرر المشهد مستقبلاً. كوميدي مبتدئ وسخيف يأتي من فرنسا ليصور نفسه وهو بصدد توزيع حلويات على الأطفال، وإعلامي يعود للمغرب لكي يستغل الفرصة ويصور نفسه بطلاً يوجه رجال الإنقاذ، وينصح المتبرعين، ويصحح هفوات العباد، وزوج “فنانة” أو “قريبة فنانة”، يتنقل للمناطق المندوبية، لكي يلتقط صورة ويضعها على صفحته مرفوقة بكثير من بكائيات، ومخلوقات غريبة حملت الكاميرا، ونقلت لنا فرضها على الساكنة المتضررة أن تمنحها كأس شاي، وتسأل الأب عن إحساسه بفقدان ثلاثة من أبنائه. رباه، صرت أمقت كلمة اللايڤ والڤلوغ والسطوري والتيك توك. هم حقا يؤثرون بكل الطرق السلبية المتاحة على صحتنا النفسية، وهم حقا أناس حقراء هدفهم الاسترزاق ولو نطوا فوق أجساد أبنائنا وإخوتنا، وتقنين المجال صار ضرورة ملحة لأن الأسى لا يمكنه إلا أن يبعث على الأسى.
هي فوضى؟
حين كانت هذه الكائنات تقصفنا بتفاهاتها، وعدت نفسي وكل المحيطين بي بأن أخصص لهم حيزاً كبيراً حين يحين موعد الحساب. كنت على يقين بأنني إن لم أعثر على طريق لفضحهم، سأقوم بتشييدها واليوم قمت بعملية التدشين. هي الرحلة الأولى لكشف سوءاتهم للعيان، وهناك أركان أخرى في الطريق. من اللازم أن تتوقف هذه السكيتشات غير الساخرة، ومن الضروري أن يساعدنا من بيدهم القرار على وضع حد لتحركات هؤلاء. شرفاء المغرب أرهقتهم هذه التصرفات الصبيانية التي تتكرر في كل مرة، والأمر صار حقاً مقرفاً ومرهقاً ومخزياً.
هي فوضى؟ نعم، هي فوضى، ومن الواضح أن الوقت قد حان لكي تتوقف، والسلام.
عن موقع: medi1.com
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة