من المسؤول عن الجفاف في “بلاد الماء” و”إهدار” المال العام؟.. “الهلاك” يهدد المدار السقوي “سكورة مداز” والسلطة “تتفرج” لـ13 سنة
أزيد من 200 ألف شجرة زيتون و1600 شجرة مثمرة و2000 هكتار من الأراضي الفلاحية، مهددة بـ”الجفاف” و”الهلاك” بالمدار السقوي “سكورة مداز”. وعند الاستفسار عن السبب؟ يأتي الجواب سريعا: “غياب إرادة سياسية للمسؤولين عن تدبير شؤون المواطنين بإقليم بولمان، رغم سنوات من “الأخذ والرد”، فقط، لتفعيل حلول تم اعتمادها في إطار “مبادرة ملكية” منذ أزيد من 13 سنة”.
جريدة “الديار” زارت المدار السقوي “سكورة مداز”، وهو من أحد المدارات السقوية المهمة بالجهة، ورصدت مظاهر “جفاف” و”تلف” غير مسبوقين بهذه المنطقة التي تتوفر، في مفارقة غريبة، على موارد مائية مهمة وعيون وشلالات وأودية. كيف وصلت الأوضاع في هذه المنطقة إلى ما وصلت إليه، في سياق تعليمات ملكية حول المزيد من اليقظة والجدية لتدبير الموارد المائية والتطبيق السليم للبرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي؟ من المسؤول عن سوء الحكامة والتدبير لمشاريع الإصلاح في المنطقة؟ هذا ما يكشفه تحقيق حول “الجفاف في بلاد الماء”.
الجفاف في “بلاد الماء”
“مع توالي سنوات الجفاف وتراجع التساقطات بالمغرب، بدأت تظهر بوادر الأزمة بمنطقة سكورة”، تقول مصادر لجريدة “الديار”، خلال زيارتها للمنطقة، مبرزة أنه في الوقت الذي كان الفلاح يستفيد، خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، من 12 ساعة سقي، صار يستفيد من 6 ساعات شتاء مع بداية التسعينيات، قبل أن تتحول إلى ساعة ونصف، فقط، مؤخرا.
ووفق فلاحي المنطقة، فإن معاناتهم تعود إلى الاعتماد الكلي على مياه “وادي كيكو”، الذي عرف صبيبه تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة، بينما مياه العيون الوفيرة، والمشكلة لـ”وادي ايت ويحيان” لا تستفيد منها الساكنة وينتهي بها المطاف في وادي سبو.
الأزمة ستتكرس سنة 2008 وتحديدا يوم الجمعة 10 أكتوبر، بعدما شهدت المنطقة أمطارا طوفانية، تسببت في فيضان “وادي كيكو”، مما أدى إلى تدمير السد التحويلي “إشْوول” والقنوات التي تمد الساقية الرئيسية الممتدة على مسافة 25 كلم والتي توزع من خلالها مياه الري على أراضي المدار السقوي “سكورة مداز”.
المصادر التي التقتها جريدة “الديار” شددت على أن المنشأة المائية (سد “إشْوول”) على وادي “كيكو”، والقنوات المرتبطة به، تعتبر من مخلفات الاستعمار، مبرزة أنه تم تشييدها بعد أن بسط المستعمر سيطرته العسكرية على المنطقة، إثر مقاومة شديدة، من أجل استغلال الأراضي الخصبة.
“مسيرة الغضب”
تدمير السد و”تماطل” المسؤولين عن إيجاد حلول مستعجلة لتزويد الأراضي السقوية بمياه الري دفعا المتضررين إلى تنظيم “مسيرة العطش” في اتجاه مقر ولاية “جهة فاس بولمان”، آنذاك، والتي واجهتها السلطات بالقمع، وفق تعبير أحد المشاركين في احتجاجات 21 أبريل 2009، بعد أشكال احتجاجية محلية لم تلق أي تفاعل من الإدارة.
“مسيرة العطش” سترغم الوالي على فتح حوار مع المحتجين، الذين بسطوا أمامه مطالبهم الاستعجالية ومطالبهم على المدى المتوسط، حيث تمثلت المطالب الأولى في: “إصلاح السد التحويلي “إشْوول”، إعادة بناء قنطرتين وإصلاح القنوات التي تؤمن مياه الري لحوض المدار السقوي، توفير مضخات لجلب مياه من “وادي كيكو” إلى القناة الرئيسية لإنقاذ الموسم الفلاحي وتوريد الماشية، إعفاء المتضررين من أعباء مؤسسات القروض الصغرى، وتعويض الفلاحين عن الاضرار التي خلفتها الفيضانات”.
مطالب تم الاستجابة لـ3 منها، حيث التزم الوالي، حسب كتيب “مسيرة العطش.. قصة غضب”، تم تقديمه بجامعة باريس في فبراير 2016، بـ: ” توفير مضخات لجلب مياه من “وادي كيكو” إلى القناة الرئيسية لإنقاذ الموسم الفلاحي وتوريد الماشية، تزويد المتضررين بشاحنة محملة بخزان لتوفير الماء الصالح للشرب، وإعادة بناء قنطرتين وإصلاح القنوات التي تؤمن مياه الري لحوض المدار السقوي”. في حين تم الاتفاق على إصلاح السد التحويلي “إشْوول” على المدى المتوسط.
مشروع بتمويل من “مبادرة ملكية”
“فكرة توفير مضخات لجلب مياه من “وادي كيكو” إلى القناة الرئيسية، جاءت باقتراح من الفلاحين، كحل استعجالي وآني، لتأمين سقي أراضيهم، التي تضررت كثيرا إثر انهيار السد وقنواته، في انتظار إعادة بنائه وتجهيزه، وكذلك لتدعيم صبيب الساقية بمياه العيون مع تراجع صبيب “وادي كيكو”، تشرح مصادر جريدة “الديار”، مضيفة انه تم الاتفاق على بناء مشروع المضخة في ملتقى “وادي كيكو” و”وادي ايت ويحيان” في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، قبل أن تؤكد على أن الاشغال في المشروعين (بناء السد والمضخة) انطلقا في نفس الفترة الزمنية تقريبا.
بعد نهاية أشغال بناء المضخة وتمديد قنواتها إلى الساقية الرئيسية، التي تزود المدار السقوي بالماء، والقيام بتشغيلها تجريبيا، رفض أعضاء تعاونية “الخير” المسؤولة عن تدبير مياه السقي بالمنطقة، في تلك الفترة، تسلم المشروع، مشددين على ضرورة “دفن” القناة الحديدية تحت الوادي أو العمل على رفعها لتفادي إتلافها بسيول الفيضانات، بعد أن قام المقاول بتمريرها في مجرى “وادي كيكو”.
هذا المقترح سيرفضه المقاول، بدعوى تكلفة المشروع، ولكون أي اشغال إضافية ستكلفه مصاريف أخرى.
“أسبوعا فقط بعد تجربة “المضخة”، سيتحقق ما كان يخشاه ويحذر منه الجميع”، تسترسل المصادر، التي رافقت جريدة “الديار” إلى بناية “المضخة”، مؤكدة أن فيضانا أتلف قنوات المضخة، ليصير المشروع في “خبر كان”، خصوصا بعد أن أصبح سد “إشْوول” جاهزا، لتستمر المعاناة اليومية للفلاحين مع ضعف الصبيب، الذي صار يتقلص مع توالي سنوات الجفاف.
“وعود” العامل
معاناة ستدفع أعضاء جمعية “المدار السقوي سيدي محيو لمستخدمي المياه المخصصة للأغراض الزراعية”، وهي الجمعية التي رأت النور لتعوض تعاونية “الخير”، إلى طرق أبواب المسؤولين طيلة سنوات لكسر حالة الجمود.
وحسب وثائق، حصلت جريدة “الديار” على نسخ منها، فقد تمت مراسلة عامل إقليم بولمان في أكثر من مناسبة، من أجل استرجاع عقود توزيع الانتفاع التي تمت مصادرتها منذ سنة 1989، ومن أجل تسليم مشروع ضخ مياه الري الذي تم إنجازه في إطار “المشروع الملكي” للتنمية البشرية على “وادي كيكو” لجمعية المدار السقوي الذي لم يتم استغلاله منذ سنة 2010، مما يشكل إهدارا للمال العام وللزمن التنموي، وفق تعبير إحدى المراسلات، دون أن تتلقى ردا.
“بعد عدة محاولات، سيعقد اجتماع بتاريخ فاتح أبريل 2022، بمقر دائرة بولمان، خلص إلى برمجة مشروع صيانة المدار السقوي لسكورة، تنزيلا لمضامين دورية رئيس الحكومة رقم 2022/03، مع تأكيد ممثلي الجمعية على ضرورة تسلم مشروع المضخة، متعهدين بإصلاحها والعمل على استغلالها”، تضيف المصادر.
لقاءات أخرى عُقدت مع عبد الحق الحمداوي، عامل إقليم بولمان، لم يتم تحرير محاضر بشأنها، تشدد المصادر نفسها، حول ملف “المضخة” وأثار الجفاف بالمدار السقوي لسكورة-مداز، موضحة أنه في إحدى هذه الاجتماعات، تعهد المجلس الإقليمي لبولمان بتمويل مشروع تشغيل المضخة عن طريق الطاقة الشمسية، وهو ما تم تفعيله بإنجاز الدراسات اللازمة وتخصيص ميزانية 90 مليون سنتيم لتنزيله على أرض الواقع.
ليس هذا فقط، يورد عزيز الإدريسي، نائب سابق لرئيس جمعية “المدار السقوي سيدي محيو”، بل قدم الحمداوي وعدا بالسهر على تسهيل الحصول على التراخيص اللازمة من وكالة حوض سبو من أجل الشروع في استغلال “المضخة”. وعود تبخرت مع العراقيل والمساطر المعقدة التي وضعتها الوكالة في وجه أعضاء الجمعية، مع التأكيد على أن لا أحد كان يتحدث عن الرخص، عندما تم تشييد المضخة وتجربتها لتسليمها إلى التعاونية سنة 2010.
ومن هذه العراقيل، كما وصفتها مصادرنا، ضرورة توفر عقود الملكية بالنسبة للأراضي المستفيدة من مياه الري التي سيتم ضخها من “وادي كيكو”، علما أن العقود تمت مصادرتها سنة 1989، وهي موضوع طلبات متكررة للسلطات لاسترجاعها.
وتستمر المعاناة..
“أزيد من 13 سنة، ومشروع “المضخة” يراوح مكانه، بغرابة، في غياب إرادة فعلية لوقف معاناة أكثر من 700 عائلة، تشكل الفلاحة نشاطها الاقتصادي الوحيد، مع الجفاف في منطقة غنية بالموارد المائية، ما يثير أكثر من علامة استفهام حول النوايا الحقيقة وراء الرفض/التماطل في إخراج المشروع إلى حيز الوجود، خصوصا مع استنفار السلطة لإمكانياتها للتضييق حتى على إصلاح الساكنة لبيوتها المهددة بالانهيار فوق رؤوسها”، تتابع مصادرنا بغضب، مشيرة إلى استهتار المسؤولين بمشاريع المبادرة الملكية للتنمية البشرية، التي تم تمويل مشروع “المضخة” من خلالها، لتبقى عرضة للتلف والضياع.
كما لم يفت المصادر الإشارة إلى “تحدي” المسؤولين للتعليمات الملكية المتعلقة بأزمة الجفاف والبرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي.
وكان الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى العرش، قد حرص على التطرق إلى أزمة الجفاف مؤكدا أن تدبير الموارد المائية، يتطلب المزيد من الجدية واليقظة، مبرزا حرصه على بلورة البرنامج الوطني للماء لفترة 2020-2027. كما شدد الملك على الدعوة للتتبع الدقيق لكل مراحل تنفيذ البرنامج الوطني للماء، مؤكدا على عدم التساهل مع أي شكل من اشكال سوء الحكامة والتدبير، والاستعمال الفوضوي واللا مسؤول للماء”.