يونس وعمر يكتب: انتهى الكلام..

انتهى الكلام..

جملة تكونت في داخلي وأنا أشاهد بعضا من فقرات مهرجان حب الملوك الاخير، مستذكرا الحوار الذي خص به المخرج المغربي “جواد السنني “موقع الديار ، حول حيثيات تأجيل النسخة المائوية خلال السنة الفارطة!

كان مزيجا غريبا ، بين كلمات حوار ذات مغزى وصور متفرقة من فقرات مبتذلة دون سياق ودون معنى!

لوحة فاضحة إذن، أبت إلا ان تُرسم ههنا من جديد بأياد مرتعشة.. في واحدة من لوحات بشاعة الفعل السياسي حين يصير مسخا!
لوحة ساقطة نعم،
فاضحة أكيد..
لكنها كافية لتفهم ان شيئا ما نتن داخل هذه المدينة..
والنتانة يا صديقي درجات..
أقساها ان يحمل مدان ابتدائيا بقضايا فساد تهم مهرجانا ما، بادج “مسؤولية ما” داخل نفس التظاهرة، قبل ان يجف مداد الحكم الابتدائي!

أتدري يا صديقي معنى أن يستثار “الساكوت” فينطق ويوجع؟

كذلك كانت كلمات جواد بعد سكوت طويل.. وهي تنسدل في انسياب يحمل وجعا كافيا لجعلك تصمت في حضرة العبث .تنظر حواليك باحثا عن استنكار او تعليق من متتبعي الشأن المحلي، فلا تجد سوى صمت مريب..
كأن سهام النقد لم تكن تعرف هدفا آخر غير العدالة والتنمية!

تومئ برأسك للجهة الاخرى، باحثا عن احمرار خد او طأطأة رأس ممن افشلوا وانكروا..

فلا تجد الا رعونة لا تخجل من الانحدار.. لا تلمح إلا سيلفيات وصور لا تخشى على الفعل الديموقراطي من الهبوط، القنوط، السقوط في كل امتحانات الكفاءة التي اجتازوها.

دعونا نعود إلى نقطة البدء،

حيث يخرج المجلس الموقر ليخبرنا جميعا، انهم “جاؤوا” باحد ابناء المدينة المعروف داخل حدود الوطن وخارجه بمشاريع ثقافية كبرى.. في خطوة طموحة تبغي إحداث مؤسسة تستطيع النهوض بالشأن الثقافي في المدينة والإقليم، بل وسائر بقاع اطلسنا المتوسط!

لم يكن الخبر جميلا فحسب لعزم سادة المجلس القطع مع كل الممارسات السابقة التي عرفتها الدورات السابقة للمهرجان.. والتي انتهت بمحاكمات فساد مالي!

بل أيضا لإبداع الحاكمين بسلطة الصناديق الفارغة لاستراتيجية تنموية تبتدئ من الرافد الثقافي، منيرة الطريق لباقي روافد التنمية المحلية!

تخيل معي وحسب، أن يصير إشعاع التظاهرة وطنيا بل وعالميا كمهرجان الموسيقى الروحية القادم من قريب بخطى عملاقة!

تخيل فحسب، أن نستعيد تراث المنطقة الثقافي.. أن ندعمه، لنحميه من الضياع.. أن يصبح رافدا من روافد السياحة وباعثا لاستكشاف كهوف البهاليل وبحيرات إيموزار وجبال اطلسنا المنسي.. أن تصبح عاصمة الكرز قبلة ثقافية بامتياز..

وقبل أن تسرح بخيالك بعيدا .. دعني اذكرك بانتهاء التجربة في وقت كانت فيه الأعمال على قدم وساق لإخراج مفهوم جديد لشيخ مهرجانات الوطن..

نهاية شاءت الصدف الماكرة أن تتزامن وتغيير جمعية مقربة من لائحة الرئيس الانتخابية لقانونها الأساسي بما يتوافق وتنظيمها للمهرجان.. في وقت كان جواد يعيش خلاله فترة حداد على وفاة شقيقه!

وبين كر وفر، وصراع شرس من داخل مجلس مبلقن.. سارت تحت الجسر مياه كثيرة، قبل أن ينتهي المخاض بتأجيل المهرجان وإبعاد جواد السنني وفريقه المكون من أطر غيورة حلت بمسقط الراس من كل بقاع المعمورة!
دون حتى كلمة شكر!
فقط من اجل ارضاء المقربين..
والمقربون أولى!

“لم يحترموا حدادي..” هكذا انتهت كلمات جواد السنني دون ان تنتهي مهازلهم !

هكذا رحل جواد دون أن ترحل فضائحهم!

ماذا بعد؟

‏يخرج المجلس الموقر ببيان تأجيل ليبشر بمائوية تسطر لعهد جديد.. عنوانه “دعم التراث وإشراك المجتمع المدني ” قبل أن يتمخض الجبل عاما من الزمن ليلد فأرا!

تقليد بائس لفقرات الدورات السابقة دون أدنى اهتمام بالخصوصية الصفريوية التي طبعت قرنا من التظاهرات.. نسخة ممسوخة لتظاهرة راكمت مائة سنة من التجارب دون ان تسلم من هفوات هاوين جدد..

شكلا، حيث غابت رؤية الحاكمين الجدد لمفهوم المهرجان، تماما كما اختفت الاستراتيجية الكفيلة بتنزيل مبادئ بيان التأجيل إلى ارض الواقع!

حتى الندوة الصحفية التي من شأنها خلق تواصل بين المنظمين والرأي العام لشرح معالم واهداف التظاهرة ضلت طريقها إلى النور.. تماما، كما ضلته أبسط وسائل التواصل من برنامج وحتى لافتات توضح الفضاءات التي تحوي الفقرات وتموقعها للزوار..

حتى المعارض التي شكلت مناسبة لكثير من العائلات لاقتناء احتياجاتها بأثمنة جد تنافسية من عارضين قادمين من كل حدب وصوب غابت.. مغيبة وإياها مدخولا يفوق ما قد تخصصه الجماعة من اعتمادات لدعم التظاهرة!

حتى التظاهرات الرياضية الموازية..رحلت!

وحده غياب المراحض شكل استمرارية ووفاء لنقائص الدورات السابقة.. دون أدنى اعتبار للوافدين من مدن اخرى!

أما من حيث المضمون، فكأنك أعطيت كيس نقود لمنظم حفلات طالبا منه إحياء حفلات هنا وهناك.. وفقط !

أين هو إذن مفهوم إحياء ودعم الموروث الثقافي المحلي الذي تحدث عنه بيان المجلس بعيد التأجيل يا سادة؟

أين غاب الفنانون المحليون بمختلف تلاوينهم. .إن لم تسعفهم هكذا تظاهرة في إبراز مواهبهم فلأية غاية وضعت!

ألا يفرض تصنيف المهرجان تراثا لاماديا من اليونسكو، مشاركة الساكنة في التنظيم؟ بأي منطق نستدعي وزارة الثقافة اذن لتنظيم الدورة في مدينة انجبت جواد السنني وبلال مرميد والبنعيسي وغيرهم؟

طيب، لندع أهداف التظاهرة الثقافية جانبا لأنهم فوتوها عجزا ونكرانا لوزارة الثقافة.. ولنفتح مقاربة تنظيم الشأن العام؛

هل كونت الجماعة شبابا عاطلا وواكبتهم لخلق أنشطة مدرة للدخل موازاة مع أنشطة المهرجان؟

هل تم تجهيز محطات وقوف سيارات ضخمة او نقاط بيع موسومية تستفيد منها الطبقات المحتاجة؟ من ساكنة المنطقة؟

هل تمت مواكبة وإعداد إصحاب المشاريع الصغرى ودعمهم للاستفادة من وجود عدد كبير من الزوار؟

واخيراً وليس اخراً، أين هي شجرة الكرز المحتفى بانتاجها؟
هل تم إطلاق مشروع فلاحي ضخم او حتى تنظيم ندوة لدراسة السبل الكفيلة بإنتاج هكتارات من الكرز مستقبلا، وسط تحديات الزحف الأسمنتي وإكراهات التغير المناخي، الذي أضحت ضيعات الكرز هذه السنة أحد أكبر ضحاياه، بالتوازي مع مائوية مهرجان الكرز!

هي وقائع أبشع من أن تشرح بكلمات كائنا من كان كاتبها..
لولا ذلك الحس الذي يستشعر عبث النسيان، فيمعن في تدوين الوقائع تنكيلا بالذاكرة الجماعية التي تتقن التغاضي..

لعلنا نتذكر!

أننا أخلفنا العهد مع الموعد مرة اخرى من أجل “أفق” ضيق!
تماما كما قد نخلفه غدا من “منظور” تنموي تائه!

لعلنا نعي أننا محترفون في نفخ الفقاعات..
دون أن تنفجر!
فالانفجار يا صديقي عملية إنتاج تحتاج قدرة وجهدا..
وفقاعاتنا الجديدة التي لا تحمل في رصيدها النضالي أو الفكري أزيد من ورقات أورو أو دولار .. لا تبشر بخير أو بتغيير!
لعلنا نفهم..أن كل يوم نتأخر فيه عن بناء مجتمع مدني حقيقي ، هو بمثابة عودة ألف عام إلى الوراء!

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة