من يريد أن يصبح طبيبا في المغرب؟

“خاصك ترجع تقرا، ودير مستقبلك حتى أنت.. وتولي طبيب!”. كانت هذه نصيحة من 3 رجال أمن لطفل قاصر، يظهرون في إحدى التسجيلات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تؤرخ لـ”اليوم الأسود” الذي عاشه المغرب عموما ومنطقة الفنيدق خصوصا، إثر محاولة “هروب” جماعية لمئات المغاربة إلى سبتة.

لن نعود هنا إلى ما وقع ذاك اليوم، وظروف وملابسات محاولة “الهروب الكبير” أو الفرار من “الزلط” و”الحكرة”، ولا عن الغياب “المستفز” لحكومة “الكفاءات” وصمتها المريب أمام الفضيحة التي ستبقى وصمة عار على جبين جميع المغاربة.

لكننا سنتحدث عن النصيحة التي أسدتها عناصر القوة العمومية، الذي وجدت نفسها مضطرة لتحمل مسؤولية استتباب الأمن في المنطقة ومنع “الحاركين” من الاقتراب من “باب سبتة”، بالإضافة إلى قيامها بالدور المفروض أن تقوم به الأسرة والمدرسة والجمعيات، (أما الأحزاب فلا داعي لذكرهم من الأصل)، في توعية المواطنين وتربيتهم.

نصيحة قدمها الأمني للطفل القاصر، ربما، بحسن نية، ولأنه، ربما أيضا، من الجيل الذي كان يرد على أسئلة معلميه في بداية كل سنة: “شنو باغي تكون فالمستقبل؟”، لتجيب الأغلبية الساحقة من التلاميذ والتلميذات: “طبيب/طبيبة”، دون أن يعير انتباها إلى “الحراك” التي تعرفه كليات الطب والصيدلة، وإلى التوقف التي يعرفه تكوين أطباء الغد لأكثر من 10 أشهر، وإلا كان سيقترح مهنة أخرى على مخاطبه، علما أن جميع “المهن”، تقريبا، تعيش أحلك أيامها مع حكومة “الدولة الاجتماعية”. والإضرابات المتتالية والمتواصلة في عدد مهم من القطاعات خير دليل.

سنة تقريبا ومستقبل 25 ألف طالب على كف عفريت، ومصير قطاع الصحة، “العليل” أصلا، يواجه المجهول، فقط لأن الحكومة، وليس وزيرا واحدا أو وزيرين، ترفض الاستجابة لمطلب أو مطلبين مصيريين بالنسبة للطلبة، ما دفع بعض الظرفاء إلى تشبيه تعنتها أمام مطالب أبناء المغاربة، بمن يلعب مع أقرانه: من تنازل أولا.. “ماشي راجل!”.

تعددت اللقاءات، وتعددت الحوارات، وتعددت العرائض والملتمسات، المرفوضة، وكذلك الوساطات، آخرها لجوء الطلبة لمؤسسة الوسيط، (بعد الوساطة البرلمانية “الفاشلة”)، ليتم عقد اجتماعات ماراطونية، بلغت أزيد من 9 ساعات، أخلفت الحكومة، مرة أخرى، الموعد معها، ليقابلها أطباء الغد برفض التفاعل الإيجابي مع مقترحاتها بنسب كبيرة ليظل الحال على ما هو عليه، إن لم نقل أنه انتقل إلى الأسوء بعد مرور أزيد من شهر على بداية الموسم الجامعي الجديد.

نعم.. نجحت مؤسسة “الوسيط”، بطريقة أو بأخرى وبدون أن تدري ربما، في تقسيم الطلبة إلى قسمين، طلبة الطب، “مساخيط” الحكومة و”لي راسهم قاسح”، وطلبة الصيدلة، “المرضي عنهم”، وهو تقسيم لن يكون ذو تأثير على الأقل في الوقت الراهن، لأن نتائج التصويت على مقترحات الوسيط، أظهرت استمرار انسجام أطباء الغد والتفافهم على “كلمة واحدة” واستعدادهم للتصعيد، بدعم من أولياء أمورهم، في الوقت الذي بدأت تظهر تسجيلات ومواقف لـ”صيادلة المستقبل” يتحدثون فيها عن تعرضهم لـ”الخداع”.

لا أعرف إذا كان لمدبري الشأن العام ببلادنا الوقت لمتابعة برنامج تلفزيوني، لكنني أجدني مضطرا إلى دعوتهم للاستماع لمداخلة رشيد الحموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، في برنامج “مباشرة معكم”، والتي قال فيها بالحرف: “بغض النظر عن المخطئ في هذه الأزمة، ستبقى وصمة عار في جبين الحكومة”، ليزيد مسترسلا: “إننا تجاوزنا أزمات أكثر حساسية من هذه وعلى رأسها حراكات الربيع العربي”.

والأهم هو ما جاء في خلاصة كلامه، والذي جاء على الشكل التالي: “إذا كان هذا الإصلاح الذي تفرضه الحكومة في كليات الطب مرفوض من طرف الطلبة فيجب أن يؤجل”…

صحيح.. أن طلبة الطب والصيدلة يظلون مجرد “ولاد الشعب” بالنسبة لأعضاء الحكومة، ولن تكون لديهم “الكبدة” عليهم، في جميع الأحوال. لكن، في المقابل، لا بأس من إيجاد حل لأزمتهم، بأي طريقة، لتجنب الأسوء، “اهتماما”، في المقام الأول، بمصير ومستقبل قطاع حيوي تتذيل فيه المملكة الترتيب العالمي، حسب مؤشر الرعاية الصحية لسنة 2024، باحتلالها المرتبة 91 من أصل 94 دولة، وهذا أضعف الإيمان!