كفى.. صفرو لم تعد تتسع لمزيد من الغبن والألم
ما حيلة من هام في حبّ رقعةٍ ذكرياتهُ فيها هي أغلى ما مَلَك؟
ما ذنب من ذرفت عيونه الدّم، بدل الدّمع، حسرةً على مصير أرملةٍ عقّها أولادها بعد كلّ ما قدّمته من تضحيات؟
ما ذنب من وجد نفسه يتقاسم الماء والهواء والانتماء مع كائنات لا تهتمّ لأمر المشترك؟
ما ذنب أهل المدينة وقد تراكمت خيباتهم؟
طفل يجري بين أزقّة المدينة لاهياً لا يعِي ما يحاك وراء ظهره من سياسات هي الفصل في مستقبله ومن معه من َأقرانه وتابعيه من الأجيال..
ضحكاته المتقطّعة تملأ الفضاء تخترق جدار صمته الذي خلّفه الكساد…
كساد أخلاق السّاسة وصمت جمهور العامّة المختبئين وراء جدار التملّص من حقهم في الكلمة..
كلمة قد تغيّر حاضر المدينة وتصحّح بعضا من أخطاء ماضيها.
كفى..!
هي المفتاح لمستقبل الأجيال لا غيرها!
كفى.. هي الكلمة، والكلمة هي كفى.
كفى فساداً.. فقد صارت المدينة سراباً في عيون أهلها!
كفى تسويفا.. فما عاد صغارنا يصدّقون ما نحكيه عن ماضي المكان.
كفى تشويها وتدنيسا وتلاعبا بالمصير.
كفى.. كلمةٌ، ولِوقع الكلمةِ ثقلٌ وأثرٌ قد يجعل من المستحيل ممكناً.
شابٌّ يخترق بكتلة جسمه شِعاب المدينة ودروبها، وقلبه حائرٌ حيرة زورق تتلاطمه أمواج البؤس.
تتقاذفه الأيام بعيدا عن شطّ الخلاص.
كان يطمح كغيره لبناء الذّات.
أي ذات هي وكلّ آمالها تحطمت على صخرة سفاهة ساسة الفجأة مسوخ صناديق الإقتراع.
ذنبه كغيره من ضحاياهم وُلد وترعرع بهذا الزمان.
زمن غيلان السياسة عُبّاد الكراسي.
آكلوا السُّحت.
ذوو المصالح.
ثعالبٌ في أجساد بشر.
كفى.. هي السبيل الى الخلاصِ والخلاصُ هو كفى.
كفى خُبثًا، فالسياسة وُجدت لتيسير حياة العامّة لا تأزيمها.
كفى لعباً بمصائر الناس.
كفى اسغلالاً للمناصب.
كفى استحماراً للعقول.
كفى ألماً، فأجسادنا خارت قواها وهي تقاوِم تبعات الفساد.
كفى لؤماً..
كفى تدنيسا للمشترك بيننا.
الى متى سيظل أبناء صفرو في شتاتِ البحث عن العلم والرّزق خارج أسوارها.
الى متى ستبقى مصائرنا مجهولة كتصميم تهيئة المدينة الجديد.
الى متى ستبقى الحيرة لصيقة صدورنا التصاق كرسيٍّ بمؤخرة مسؤول لا يسأل عن حالنا.
سيّدة تسير خلف صغيرها وحقيبته المدرسية فوق ظهره تعيق مشيته لثقل محتواها، يحاول جاهدا ضبط ايقاع سيره رغم رداءة الطريق المؤدية الى مدرسته “الرائدة”، وعيون والدته لا تزول عنه متفائلةً بمستقبلهِ علّه يصير رائد فضاءٍ كما هو حلمه.
أو رائدًا بالجيش كما هو حلم أبيه.
راجيةً من الله الاّ ينتهي به الحال مرتاداً للمقاهي التي تكاثرت بالمدينة وتناسلت حتى صار الجالسون ها هنا أوقاتَ الذّروة أكثر من الواقفين والمشاة.
كفى وأداً لأحلام أطفالنا.
كفى خبثاً فالحياة أقصر من أن يبيع السياسي ماء وجهه مقابل مصلحة زائلة، زوال دولةِ كيانٍ صهيوني غاصبٍ قتَلَ لامتلاك ما لايملك.
كفى وعوداً، فكلّ وعودكم كانت كذبة خلقت هوّةً بيننا وبينكم وفراغًا كفراغ أرصدة منتخبين راهنوا على الشّرف بـ”وصول بنكية” قيمةُ الحِبرِ عليها أغلى ما فيها.
كفى..
فالمدينة لم تعد تتسع لمزيد من الغبن والألم.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة