يونس وعمر يكتب: “متى تقلب يا صديقي الطاولة؟”

عندما تتأمل ضبابية المشهد السياسي في مدينة بحجم صفرو..
دون  أن تستطيع فرز الحابل عن النابل..
عندما نصبح جميعا في حيص وبيص..
وتختلط الأوراق؛
ثم تصبح عملية الفرز أصعب من البحث عن أبواب المدينة القديمة…
تدرك أنذاك فقط..
أن البقر لم يتشابه على بني إسرائيل فحسب!
بل علينا جميعا..
تفهم أنذاك فحسب..
معنى أن يعم الظلام فتعمى البصائر قبل الأبصار!
تماما كما أبدع أحمد فؤاد نجم، ذات زمن تيه بأرض الكنانة :

“إذا الشمس غرقت في بحر الغمام
ومدت على الدنيا موجة ظلام..
ومات البصر في العيون والبصائر ..
وتاه الطريق في الخدود والدواير
يا ساير يا دايــر يا ابــو المفهومــــية
مفيش لك دليل غير عيون الكلام!”

مع اختلاف بسيط ،
أنه حتى الكلمات عندنا تاهت ، ولم تعد تصلح أن تلعب دور “العيون”؛
أو أن تدل على الطريق ..
فكلامهم جميعا ههنا يتشابه!
أليسوا جميعا يسعون إلى مصلحة المدينة..
وحسب!

طيب، لماذا إذن يخرج المتهمون (بكسر الهاء) بفتوى أن الآخرين مفسدون!
تزويرا..
وتهربا ضريبيا..
واستغلالا للنفوذ!

فيما يجيب المتهمون (بفتح الهاء) ..
كموكب “انشادن ” وهم يضعون يدهم في يد مدان بقضايا فساد..
لينشدوا أن الآخرين مفسدون!
بشيكات انتخابية؛
ومافيا عقار..
ثم تاريخ إنجازات أفرغ من فؤاد أم موسى!

وبين كر وفر داخل رقعة ملعب من طين..
وحتى لا يحس الجمهور بالملل؛
يأبى فريق من لاعبين جدد إلا أن يبتدئ التسخينات الانتخابية باكرا وقبل انتهاء المباراة..
منهم من يقوم بإحماءات من داخل سيارات فارهة..
وسط الملعب!
يرمون أوراقا نقدية ذات اليمين وذات اليسار.. مقسمين أنهم وعكس الجميع؛
يسعون إلى مصلحة المدينة..
لكن.. من منظور تنموي مستورد!

فيما يجلس آخرون غير بعيدين..
وقد ضاق أفقهم، حد طعن امرأة مسنة في شرفها..
بسبب رأي عبر عنه احد الصحفيين..
من أبنائها!
يحمل الواحد منهم دلوا و”كيسا” ثم بضعة كلمات نابية..
مرددين أنهم وبمجرد أخذ حمام ساخن..
سيسعون، وعكس الجميع، إلى مصلحة المدينة!

أما المدينة..
فتنظر إليهم جميعا من وراء أسوار تاريخيّة متآكلة..
دون أن تستطيع تمييز البعض عن البعض الاخر..
فالوحل الذي يتصارعون فيه.. غطاهم حتى أخمص قدميهم!

تسأل أبنائها الذين يعيشون مرارة العطالة.. من هؤلاء؟
ومن مع من؟ ومن هم الآخرون؟
ثم..
عن أي مصلحة ..وعن أية مدينة يتحدثون؟

تضيق عينيها الذابلتين لعلها ترى شيئا آخر..
“مصلحة” ما..
دون أن ترى شيئا آخر غير “وحل” يغوص فيه جيل من النخب الجديدة..
التي تعد بعد العاشرة.. رقم الحاضشة!

هي لوحة فاضحة..
ساقطة حد القنوط..
لكنها تستحق التامل!
تأمل مليا كل ما سبق، وأسقطه على كل مداشر الأطلس..
من العنوصر، عزابة، المنزل، أدرج، سكورة مداز، بولمان..
أسقطه على كل المجالس جماعية وإقليمية، بل وجهوية وقل لي بالله عليك.. كيف يستمتع الجمهور بهكذا لعبة لا نعرف الرابح فيها..
بقدر ما نعرف أن ذلك الجمهور نفسه هو الخاسر في نهاية المطاف!
حيث لا تنمية..
ولا فرص عيش كريم..
ولا ترافع ضد سير الوطن بسرعتين!

وفي خضم تفكيرك تذكر؛
أنً مجرد إدراكك الواقع بكل بشاعته، معناه أنك تحمل مسؤولية ثقيلة..
فالأغلبية لازالت تعجز عن الإدراك!

نعم يا رفيقي في الجغرافيا..
سواء نهلت من كتب المدرسة..
او تعلمت أبجديات الحياة!
سواء كنت من صفرو أو من مداشر الأطلس..
أنت تحمل مسؤولية تجاه هذه الأرض التي أنجبتك..
تجاه الجيل الحالي و الأجيال القادمة!

تحمل مسؤولية الأفكار التي اخترتها..
أو اختارتك لتحمل شقاء الوعي!
أي شقاء أقسى من صمت يحبس كلمات قيمة في صدرك..
في وقت يتعالى فيه صراخ الجهلة!
اي شقاء أبشع من تراجع شباب إلى الخلف..
في وقت يعتلي فيه هؤلاء المنصة !

أو تدرك يا رفيقي أن مجموعة صغيرة من شباب واع، لقادرة على إقناع محيطها، على قلب الطاولة وأخذ ناصية مصير بلدتها بيدها!

أو تعي أن مجموعة مجموعات صغيرة تعيش في كل بلدات ومداشر أطلسنا المنسي..
لقادرة على خلق ظروف عيش داخل هذه الأرض التي نعشقها جميعا!

على عاتقك تقع مسألة توعية أهلك وأقربائك الذين يسلكون نفس الدرب الذي أخلف الموعد مع التاريخ، في كل امتحانات الاختيار..
كما أخلفناه جميعا!

الدرب الذي يأتي منه كل موسم صيد؛

صياد يسوقهم أجمعين في اتجاه الصناديق..

يبيع أصواتهم جميعا لمن يدفع اكثر!

كأنك لم تولد ولم تكن!

في واحد من أكبر تناقضات المنطق..

أي منطق سليم ذلك الذي ينتج كل الكائنات الانتخابية التي مرت من هناك..
التي تربعت على عرش التسيير لعقود خلت..
سالبة منا جميعا الحق في التنمية!

أي منطق ذاك الذي نحتكم فيه جميعا للصمت.. للسكون!
رجاءا أبلغ صوتك ولو كان نشازا..
فعندما نموت يكون لنا الوقت الكافي لممارسة السكوت والسكون!

أنت يا صديقي غاضب من واقعنا جميعا، ربما..
رافض لكل قواعد اللعبة، محتمل..
لكن الأكيد، أنك إن لم تتحرك أنت،
وكل الشباب الواعي بالانحطاط..
بالانحدار..
بالسقوط الذي نعيشه اليوم..
فلا أحد قد يغير تفاصيل هكذا لوحة عاهرة!
بكل بساطة.. لأنه لا أحد..
لا أحد..
بسيف سواه ينتصر!

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة