عكاشة البورقادي يكتب: “الخيل مربوطة والحمير كاتبورد”
اقترب للناس موعدهم الانتخابي وهم في غفلة عنه نائمون، فعم الفراغ وانتشر البلاء وصمت أهل العلم والحكمة، وتحولت الساحة السياسية إلى ما يشبه سوق النخاسة، حيث انتعشت حرفة “تاسمسارت” الذي بدأ الطلب عليها من قبل تجار “الجملة” لاستخدام محترفي الدعاية والشروع من الآن في حملات التطبيل والتزمير وتلميع صورهم الباهتة، فمن هم هؤلاء السماسرة؟
لما قضى ربك أن يخلق من كل شيء زوجين، فـ”شناقة” الانتخابات عندنا فئتان، لا ثالث لهما، فئة المحترفين أو اللاعبين الكبار وينحصر دورهم حسب منطق العرض والطلب في توجيه الكتلة الناخبة واستمالتها حسب إملاءات صاحب “الشكارة” لفائدة ترشيحه مقابل أقساط مالية يتم الاتفاق عليها مسبقا، حيث يطورون، دوما، وسائل تدخلهم في الدائرة الانتخابية تماشيا مع تطور عقلية الناخب، ولديهم معاقل محصنة تعد بمثابة خزان انتخابي مهم يدر ذهبا.
وهناك فئة الطفيليات وينعتهم اللاعبون الكبار بـ”الحمير”، بعدما اكتشفوا بأنهم ينعشون بشكل أقل التجارة الانتخابية، لذلك قرروا أن يستعملوهم فقط في تصفية الحسابات السياسية مع الخصوم والمنافسين، فتراهم في مواقع التواصل الاجتماعي يملؤون الفضاء الأزرق نهيقا وزعيقا، يحركون أذيالهم حيث الريح تميل، ويحاولون جاهدين إخفاء هوية من يحركهم مع أن سوءتهم بارزة عفنة رأي العين.
ينشطون بحسابات وهمية “مفضوحة” تفاديا لاكتشاف هوياتهم وتوجهاتهم، حتى يؤذوا مهمة “التطبيل” بشكل أكثر أريحية، وطبعا يتلقون “مقابلا تافها” لقاء دورهم “التطبيلي” هذا.
لقد استفادوا من العديد من التحفيزات المالية والعينية دون الدخول في تفاصيلها، وهم مدركون أكثر من غيرهم بأنهم فاقدين لكل شرعية أو فعالية أو أثر أو أهمية وبأن تطبيلهم لن يحدث فرقا.
اللاعبون الكبار يعون جيدا أن “كمشة الفايسبوك” لا تتوفر على أية قاعدة انتخابية، ويعلمون يقينا كذلك أنها تسخر وسائل التواصل الاجتماعي فقط لإبراز قوة مزعومة وتأثيرا افتراضيا على ناخب افتراضي، وحتى تعطي الانطباع على أنها رقم صعب في عملية التفاوض، لذا فدورهم يقتصر على تسخين الطرح تماما كمرافقات العروس، “النكافات” حين تغيير “اللبسة” عند كل إطلالة لها، ليطرح السؤال الجوهري : لماذا نربط الخيل الجوامح التي تصهل فتحدث وقعا إيجابيا ونتركها تتذيل المشهد السياسي، ونسمو بـ”الحمير” إلى ساحة التبوريدة لإحداث الغبار والنعيق؟
ويبقى السبيل الوحيد من أجل تجاوز هذا الإشكال الذي ساهم في تعطيل مسيرة البناء، هو أن يبادر شبابها ونساءها إلى فرض الاحترام الواجب لإرادتهم كناخبين دون ضغط أو استمالة، فلا يعقل أن يتم استغلال الفاقة والحاجة والخصاص الذي يحيط بحياة المواطنين واستغلال القضايا التي تحتاج إلى حل، لاستمالة المواطنين لفائدة جهة معينة.
هذا تحقير للمواطن يحتاج إلى معركة يتقدمها الشباب ضد السماسرة أولا. فكلما تحرر المواطن من مظاهر السمسرة والاستلاب، كلما تمكن من الحسم في تحقيق ديمقراطية حقيقية.
في الأخير، أقول أني لا أقصد بكلامي أحدا بعينه وكل من رأى أن ذلك يعنيه فذاك من محض الصدف، وعليه أن يراجع نفسه ليخرج من منظومة “الاستحمار”.
*مستشار بالمجلس الجماعي لبني وليد، إقليم تاونات
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة