نبيل الريفي يكتب: “المختل عقليًا”.. جريمة مؤجلة في انتظار “الانفجار”

تتصاعد حوادث القتل التي يرتكبها مختلون عقليون في المغرب بشكل مهول. ففي 8 مارس 2025، اهتز حي البساتين بمكناس على وقع جريمة مروعة، حيث أقدم رجل في الأربعينيات من عمره على قتل والدته ذبحًا. وقبل ذلك بيومين، شهدت القليعة نواحي إنزكان حادثة أكثر مأساوية، حيث أجهز شاب يعاني من اضطرابات نفسية على والديه معًا. هذه الجرائم ليست معزولة، إذ شهدت جماعة تمضيت بإقليم تاونات في 20 مايو 2024 حادثًا مأساويًا عندما هاجم رجل تلميذة تبلغ 12 عامًا وقام بذبحها أمام زميلاتها. اتضح أن الرجل كانت تظهر عليه علامات الخلل العقلي، حيث أقام في إسبانيا قبل سنوات وعاد منها بعد تدهور صحته العقلية. وفي 17 أبريل 2024، قام شاب مصاب باضطراب نفسي في دوار الغضبان التابع لجماعة مولاي عبد الله بإقليم الجديدة بقتل والده المسن بسبب نقاش حاد.
هذه الحوادث وغيرها وقعت في عام واحد فقط، دون الحديث عن عشرات الجرائم الأخرى التي غالبًا ما يكون منفذها شخص يعاني من اضطراب نفسي. هذه الأحداث تعيد إلى الواجهة مشكلة هذه الفئة المجتمعية التي تعاني من الإهمال في الحصول على حقوقها الأساسية في الصحة العمومية، وتكشف عن جهل مهيكل في المجتمع بما يحدث من مشاكل نفسية يعاني منها الكثيرون.
وفي هذا السياق، تبرز قضية أخرى، إذ سحبت الحكومة الحالية من البرلمان في شتنبر 2023 مشروع القانون رقم 71.13، الذي كان يتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وحماية حقوق الأشخاص المصابين بها، مما أغلق الباب أمام أي أمل في الحصول على تشريعات قانونية تسير في هذا الاتجاه. وبالتزامن مع هذا الإجراء، تتطلب المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وواجبات الدول وفقًا للمنظمات الصحية العالمية أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في تكفل هذه الفئة التي تعاني من خلل صحي، على الرغم من الظروف التي يعيشون فيها.
أما في سياق ثقافتنا المغربية، فترتكب الأسر أيضًا خطأً جسيمًا في معالجة الاضطرابات النفسية لأفرادها، إذ كثيرًا ما تنكر وجودها أو تجهل طبيعتها. للأسف، تتجنب العديد من الأسر مواجهة هذا الواقع خوفًا من وصمة العار التي قد تلحق بها، أو تظن أن ما يعانيه “ابنهم” ليس إلا سلوكًا عارضًا يمكن تجاوزه ، بينما العدوانية و العناد قد تكونا أعراضا واضحة لخلل نفسي. إن هذا الإنكار وهذا الجهل يعرض الجميع للخطر، وقد يساهم في تفاقم الأوضاع بشكل كبير، وقد تتحول بعض الحالات إلى أفعال إجرامية.
يجب أن نعي أن هذه الجرائم ليست مجرد حوادث عارضة، بل هي نتاج نظام صحي واجتماعي يفتقر إلى الفهم العميق والوعي اللازمين لمواجهة هذه التحديات. إن استمرار هذا النزيف المجتمعي ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتيجة مباشرة للإهمال المستمر.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة