نبيل الريفي يكتب: من تازة إلى فاس ومكناس.. رحلة المواد السامة عبر وديان الإقليم

الأوحال، والأزبال، ومياه الواد الحار العالقة، ومخلفات الحي الصناعي السوداء (زيوت التشحيم، وزيوت المحرك، وزيوت الفرامل…)، والجيف، وبعض النقاط السوداء المكدسة بالنفايات… كل هذه “الخيرات البيئية” التي كانت تملأ الوديان والشعاب بمحيط تازة ومناطق الإقليم الغربية، لم تجد من يوقفها أو يحدّ من تسربها، فاتجهت بكل أريحية مع السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة الأخيرة عبر واد إيناون نحو سد إدريس الأول ، الذي يقع بين نفوذي إقليمي تازة وتاونات، والذي تستهلك مياهه عشرات الآلاف من ساكنة فاس ومكناس.

هذا المشهد الكارثي لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكم سنوات من غياب سياسة بيئية مسؤولة تعي خطورة الوضع، وتعمل على حماية الموارد المائية من التلوث الصناعي والمنزلي. فمشروع محطة معالجة المياه العادمة في تازة، الذي كان من المفترض أن يكون سدًا منيعًا أمام هذا التلوث، ظل حبيس الوعود والمخططات الورقية، و بعض اشغاله التي تخص اعتراض النصبات و بناء الانفاق استمرت لسنوات بينما تتزايد كميات الصرف الصحي التي تنساب في مجاري الأودية دون حسيب أو رقيب.

أما قطاع تدبير الأزبال، فهو قصة أخرى من الفوضى والإهمال. نقاط سوداء للنفايات هنا وهناك، وعشوائية في جمع النفايات الصلبة، وغياب الرقابة على المخلفات الصناعية الخطيرة التي تتسرب من الحي الصناعي، لتختلط بمياه الأمطار و تكون وجهتها الاخيرة نحو السد، دون الحديث عن استغلالها غير الاخلاقي في سقي بعص الحقول ، في مشهد يختزل واقع التسيير البيئي المرتجل.

ولا يمكننا أن نغفل عن الدور “البطولي” للتحسيس البيئي و دور الجمعيات البيئية، التي يبدو أن همّها الأكبر هو الاستفادة من الدعم والتمويلات، بينما تبقى قضايا التوعية وحماية البيئة مجرد شعارات مرفوعة في الندوات وصفحات التواصل الاجتماعي.

والنتيجة؟ سد إدريس الأول، الذي من المفترض أن يزوّد سكان فاس ومكناس بمياه شرب نقية، تحول إلى مصبّ ضخم لمخلفات تازة الصناعية والمنزلية، في إنجاز بيئي غير مسبوق يستحق أن يُدرّس في كليات علوم الكوارث البيئية.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة