“الطنز” في زمن كورونا
ارتفع عدد الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا في المغرب خلال الأيام الأخيرة، ليتجاوز الألفي حالة يوميا.
ومع هذا الارتفاع في الإصابات “قفزت” حالات الوفيات إلى أرقام “مقلقة”، إلى درجة أنّ تسجيل 15 أو 20 حالة وفاة في اليوم أصبح أمرا “عاديا” بالنسبة للمغاربة، بعد أن كانت تسجل حالتان إلى ثلاث حالات فقط خلال فترة الحجر الصحي الشامل.. فكيف “تدهورت” الحالة الوبائية في بلادنا؟ وأين يكمن الخلل؟ هل في المواطن، كما تروج لذلك الحكومة، أم في “البرتوكولات” التي “تتفنّن” وزارة الصحة في تغييرها في كل مرة؟
أسئلة وأخرى لا نجد لها جوابا، خصوصا مع سياسة “الصمت” التي ينهجها خالد أيت الطالب، المسؤول الأول عن تدبير القطاع الصحي في المغرب.. وهو “سكوت” تتناسل معه العديد من “الإشاعات” والشكوك، سواء في ما يتعلق بإجراء التحاليل المخبرية أو بالتأخر في التكفل بالمصابين بالعدوى، ما يؤدي، حسب مختصين، إلى ارتفاع الحالات الحرجة، وبالتالي إلى تزايد أعداد الوفيات.
وفي علاقة بعدم إجراء التحاليل والتكفل بالمصابين بالوباء في الوقت المناسب أستعرض هنا قصة وفاة مواطنة تبلغ من العمر 24 سنة وحامل في شهرها السابع، تتحدّر من منطقة “الزاوية”، بجماعة “عين تمكناي” في إقليم صفرو..
ذلك أن الشابة، وهي أم لطفل عمره 5 سنوات، أحسّت بآلام شديدة، مع ارتفاع كبير في درجة حرارة جسمها.
وكشف زوجها، في حديث مع جريدة “الديار”، أنه نقلها إلى عيادة خاصة في رباط الخير لمعرفة سبب ذلك ولتلقي العلاج. لكن المثير أن “الطبيب” الخاص الذي أشرف على حالتها لم يفكر أبدا في اقتراح إجراء تحاليل كشف فيروس كورونا، رغم الأعراض البادية عليها، مكتفيا بطلب إجراء بعض التحاليل، المكلّفة ماديا، مع وصف بعض الأدوية “المُسكّنة”!..
وسيتكرر الأمر نفسه، مع أطباء في القطاعين العام والخاص، طيلة 10 أيام تنقلت فيها الفقيدة بين مستشفيات “أهرمومو” والمنزل وصفرو، يقول الزوج المكلوم بحسرة، قبل أن يقرر، أخيرا، طبيب في المستشفى الإقليمي لصفرو إخضاعها للمسح الخاص بفيروس كورونا وينصحها بالعزل في انتظار النتيجة.
نتيجة ظهرت يوم الجمعة 14 غشت المنصرم وأكدت كما كان متوقعا، بل باديا للجميع إلا لكل هؤلاء “الأطبّاء”، أنها مصابة بالوباء اللعين..
لكن الصدمة القوية ستحدث بعد اتصال المصالح الطبية بزوجها في أفق التكفل بها وإخضاعها للعلاج، إذ أخبرهم بوفاتها وجنينها يوما واحدا قبل مكالمتهم.
حكاية هذه الشابة، التي أصبحت مجرد “رقم” في أعداد الوفيات بكورونا، تؤكد بـ”الملموس” فشل الوزارة في تدبير جائحة كورونا، إلى درجة أصبح معها المواطن المغربي “نادما” على عدم إصابته بالعدوى في الشهور الأولى لظهور “الجائحة”.
إخفاق لا يقتصر فقط على الجانب الصحي والعلاجي، بل تعدّاه إلى تدبير الموارد البشرية، سواء على مستوى الإدارة أو الأطر الصحية المنخرطة في الصفوف الأولى لمحاربة الوباء، والتي استنزفت بقوة، مع رصد إصابات عديدة بالعدوى بين العاملين في القطاع، بسبب انعدام ظروف ووسائل الاشتغال.
غياب استراتيجية تدبيرية لـ”البروفيسور” آيت الطالب تَظهر بصورة جلية في مدينة صفرو، أيضا، لأنها المندوبية الإقليمية الوحيدة، ربما، التي لا تجد فيها السلطة و”العسكر” مخاطَبا رسميا، بعد تقديم المندوب بالنيابة شهادتين طبيتين متتاليتين (15 يوما في الأولى و30 يوما في الثانية) رغم أنه حديثُ التعيين في المنصب، قبل أن ينضمّ إليه مدير المستشفى الإقليمي بالنيابة ويقدم هو الآخر شهادة طبية (21 يوما)، مع “أنباء” عن تقديمه استقالته من إدارة المستشفى.
يحدث كل هذا في الوقت الذي شهد الإقليم ارتفاعا في حالات كورونا بين المواطنين وموظفي الصحة، إضافة إلى العمل، من جديد، على التكفل بالمصابين داخل المستشفى الإقليمي، مع عودة الطاقم الطبي العسكري، ما نتج عنه فرض وتشديد بعض الإجراءات الاحترازية لوقف تفشي المرض في المدينة والإقليم.
ولا ينتهي “الطنز” هنا!
فمندوبية صفرو تنفرد، ربما، بحالة “غريبة”، وهي “وجود” موظف تم إعفاؤه من مهامه، منذ شهرين تقريبا، داخل الإدارة، يتقاضى أجره من المال العام ويستغلّ السكن الوظيفي دون أن يقوم بأي عمل يذكر.
فماذا يفعل هذا الموظف “الشبح” داخل مكتبه، مع ما يُتيحه ذلك من “ولوجية” إلى الملفات والمعلومات؟!.. خصوصا أن قرار الإعفاء جاء إثر تحقيقات في خُروقات “مُفترضة” قامت بها لجنة للتفتيش في المندوبية، وعلما بأن “عطالته” عن العمل استمرّت مدة طويلة، بسبب “تهميشه” من قبَل المندوبَين السابقَين بسبب ما وصفه أحدهما بـ”التّخربيقْ” في بعض الملفات، وكذا بعد “اتهامه” باستغلال ممتلكات الدولة في أمور “خاصة”، بعد أن كان “الآمرَ الناهي” في قطاع الصحة في إقليم صفرو طوال 10 سنوات تقريبا.
الجواب عن السؤال أعلاه ربما قد نجده لدى بعض “النقابيين” و”الحقوقيين” الذين، لأسباب “لا يعلمها إلا الله”، يُدبّجون “البلاغات” نزولا عند رغبة هذا الموظف “المُعجزة” وصديقه “الدكتور”.
وحتى لا أبدو متحاملا على هذا الشخص بعينه، فـ”العطالة” داخل المندوبية لا تقتصر عليه فقط، بل هناك نقابي، وطنياً يا حسرة، لا دور له ولا “شغل”، منذ انتقاله إلى المندوبية، مع بعض “الإخوان”، في ظروف “غامضة”، سوى جمع المعلومات و”السّكوبات” لاستغلالها لصالحه ولصالح نقابته.
هذا النقابي، “حليف” المُعفى من مهامه، تم “فضح” استغلاله، هو الآخر، لممتلكات الدولة في أنشطة نقابية و”تحويمه” على “الكرسي الثاني” داخل المندوبية، رغم عدم توفره على المؤهلات والكفاءة اللازمة لشغل هذا المنصب.
“الدرويش فهاد البلاد ما كيشوف فيه حد.. لينا الله”..
بهذه الكلمات ختم زوج “ضحية فيروس كورونا” حديثه لجريدة “الديار”. وبدورنا ننقلها إلى المسؤولين على “صحتنا” للتدخل بجدية وحزم لإعادة الأمور إلى نصابها، قبل فوات الأوان، سواء في ما يتعلق بتقديم العلاجات أو بتدبير الموارد البشرية لتفادي انهيار المنظومة الصحية، لأن المغاربة، ببساطة، غير مستعدّين، بتاتا، لإعادة اجترار “مشاكل” و”مصائب” قطاع الصحة لزمن ما قبل كورونا.