رشيد الكنز: نحو تمثل جديد لتكنولوجيا المعلومات والاتصال بالمؤسسة التعليمية (2/2)
انطلق قبل أيام الموسم الدراسي الثاني في ظل جائحة كوفيد19، ولعل أبرز ما يميزه هو تعدد الأنماط التربوية التي كان لزاما توفيرها للإجابة على تحديات المرحلة. من بين هذه الأنماط نجد التعليم عن بعد والذي يعتمد أساسا على توظيف تكنولوجيا المعلومات والتواصل، مما يفرض علينا لزاما الوقوف على مدى استعداد الفاعل التربوي لتملك واستدماج الثقافة الرقمية في ممارساته اختيارا وليس إجبارا. إن هذا الخيار الاستراتيجي مرتبط في نجاح تنزيله، بالأساس، بتمثل هذا الفاعل حول هذه التكنولوجيا والذي يغلب عليه اليوم الطابع التقني والتبسيطي لاستخدام الموارد الرقمية وتوظيفها كبديل للوسيلة التعليمية التقليدية.
فما هي تكنولوجيا المعلومات والتواصل؟ وهل تمثل وسيلة أم بيئة للتعليم والتعلم؟ وما علاقتها بالإدراك؟ وكيف يمكن استثمارها داخل الفضاء المدرسي؟ في هذا المقال سنحاول، بشكل مقتضب، بسط مجموعة من الأفكار والتي يمكن أن تشكل مدخلا للتدبر في صيغ جديدة لتوظيف وإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال بشكل مغاير لما تعودنا عليه.
(الجزء الثاني 2/2)
ما قيل عن استعمال الحاسوب يمكن تعميمه على تكنولوجيا المعلومات والتواصل داخل الفضاء التربوي، حيث يصير تمثلنا لها حيويا في ابتكار طرق للتعامل معها وحاسما في تسطير الأهداف المتوخاة من هذا الاستعمال وضامنا لبناء كفايات خاصة تستجيب لحاجات الفئة العمرية المستهدفة، وهوما يفرض تكوين المدرسين في هذه التكنولوجيا وطرق استعمالها وتوظيفها باحتراف وفعالية بغية إدماجها على النحو الأمثل داخل الأقسام.
يمكن أيضا الحديث عن أمثلة أخرى كاللوحة اللمسية والممرن، فاللوحة اللمسية والتي تمثل شكلا مصغرا للحاسوب وتقدم مزايا أخرى كالسهولة في الوصول إليها والتعامل معها… تقدم بيئة غنية لبناء التعلمات وترسيخها بشكل أكبر. والممرن هو إحدى الأنشطة أو التطبيقات التي يمكن الاشتغال بها على الحاسوب أو اللوحة اللمسية. للحديث عن الأولى، نورد أن داهين قد بين أن هناك علاقة بين استعمال الأصابع ومفهوم العدد، حيث استشهد بمتلازمة جرستمان (1940) حول مرضى أصيبوا بجلطة دماغية أدت إلى أربعة نقائص: العدد، الكتابة، الأصابع والفضاء. أيضا يعتبر أن الطفل يعتمد الكفايات الإدراكية، عند بناء كفاياته الحسابية، أكثر من الكفايات الفكرية. كما يمكن استحضار طريقة حركة الكتابة لدانييل دومونت والذي يركز على أهمية استخدام الجسد للحصول على إحساسات حركية حقيقية مرتبطة بالحروف، قبل استعمال الورقة والقلم. فقبل كتابة الحرف يجب استعمال الجسد (الأصبع مثلا لكتابة هذا الحرف في الهواء أو الرمل) لأن الجسد يحتفظ في الذاكرة بهذه الإحساسات الحركية. ومن هنا يمكن القول أن استعمال لوحات إلكترونية لمسية سيساهم بشكل أكبر في بناء المفاهيم، حيث أن الطفل الذي يواجه مشكلة تتطلب التعرف على عدد ما، سيحاول ربط هذا العدد بذكرى له، (في القسم عند دراسة العدد2 يقوم برفع أصبعين)، مع اللوحة اللمسية سيتمكن من تكوين ذكرى باستعمال أصبعين أمام العدد2 بالإضافة، وهذه هي القيمة المضافة، إلى التغذية الراجعة التي ستقدمها اللوحة عن طريق صوت وألوان تنوه بإنجاز الطفل مما سيساعد على تثبيت مفهوم العدد بشكل أكبر. أما بالنسبة للممرن فهو برنام ديداكتيكي (Didacticiel) يتضمن أساسا توجيهات وتمارين أو أسئلة وأجوبة منتظرة وموارد مرجعية وميكانيزمات للتصحيح والتقويم والتغذية الراجعة. من مزايا الممرن أنه يقدم تغذية راجعة في الحين للمتعلم ويمكن من التدرب بشكل متكرر مما يساهم في تطوير التعلم الذاتي لديه. وبفضل تطوير المعارف التي تصبح ذاتية يتم تحرير ذاكرة العمل للقيام بمهام أخرى. كما أنه يسمح للمتعلم بالعمل في استقلالية تامة ودون خوف من الخطأ. فعدم تسجيل الأخطاء كما هو الحال في الدفتر يساعد المتعلمين المترددين على الانخراط بشكل أكبر في التعلمات. وهو بذلك يساهم في تطبيق أكبر للبيداغوجيا الفارقية، من جهة أخرى فإن تقديم الممرن للنتائج يكون على شكل تقدم في مستوياته أو على شكل ربح لشخصيات جديدة داخل البرنامج يجعل المتعلم أكثر استمتاعا بعمله.
لكن ومع كل هذه المزايا تبرز تهديدات تتمثل في المهمة المزدوجة بحيث أن استخدام الممرن لا يجب أن يشكل مشكلا إضافيا للمتعلم فوق الهدف من استعماله، والعبء المعرفي الإضافي أي الإكثار من المعلومات المقدمة والتي تشكل تشويشا للمتعلم، والطابع الترفيهي المبالغ فيه بحيث يجب أن يتوفر الممرن فقط على ما يكفي من المتعة والترفيه اللذان يسمحان بجذب اهتمام الطفل.
لن نورد استنتاجات أو مقترحات في الأخير بل نترك ذلك للقارئ، ولكن يمكن استخلاص فكرة أساسية انطلاقا مما سبق: تمثل تكنولوجيا المعلومات والتواصل بيئة غنية خصبة ليس فقط لتحفيز الإدراك لدى المتعلم ولكن أيضا لتوسيعه وتجويده، كما تسمح بمضاعفة نسبة النجاح في إرساء التعلمات شريطة تغيير نظرتنا لها وطرق تعاملنا معها وصيغ إدماجها داخل الفصول.
لقد كان هناك قبل شهور معدودة، شبه إجماع على أن المنظومة التربوية المغربية بعيدة كل البعد عن اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وأننا نحتاج لسنوات أو عقود لتنزيل هذه المقاربة، ولكن جائحة كوفيد 19 جعلت الفاعلين بالمغرب يبحثون عن الحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة والتي كان على رأسها التعليم عن بعد. لقد ولدت وسط كل مآسي الجائحة مبادرات أفضت إلى إنتاج غير مسبوق للموارد الرقمية وتقاسم للتجارب والخبرات عبر عشرات الندوات الافتراضية وعلى مختلف المواقع والمنصات، إلا أنه وبالرغم من كل هذه المجهودات المتميزة، فإن تمثلنا (أطرا إدارية وتربوية في مختلف مواقع المسؤولية) لاستخدام وإدماج تكنولوجيا المعلومات يبقى ذا دور حيوي في مدى نجاعة ونجاح هذا الاستخدام وأهم عامل حاسم في قدرتنا على تصور بناء جديد ومتجدد للعملية التعليمية التعلمية.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة