مقالع الرمال بصفرو.. هكذا تهدد “مشاريع” منطقة سيدي خيار
“..لا أعرف شيئا عن موضوع “الزفت”.. بين ليلة وضحاها وضع أحدهم المعدات وشرع في العمل، حيث لا تتوفر الجماعة على أي وثيقة تخص هذا المشروع..!”.
كان هذا مقتطف من جواب مسؤول بجماعة “كندر سيدي خيار” بإقليم صفرو على تساؤلات حول معاناة منطقة بني ملالة من الضرر الناجم عن الترخيص لمقلع للرمال ومن أعمال تكرير مواد تعبيد الطريق (الزفت).
كيف تم الترخيص لمقلع الرمال في منطقة ذات أهمية وطنية (PIN)؟ متى بدأ العمل بهذا المقلع؟ ما مصير العديد من الشكايات والعرائض لرفع الضرر؟ أسئلة وأخرى تجيب عنها “الديار” من خلال شهادات ووثائق حصلت عليها الجريدة.
“حليب وسط الغبار”
ينتظر المسؤولون والمنخرطون في تعاونية “عين الكبير الفلاحية”، خلال الأيام القليلة المقبلة، زيارة وفد مهم لإعطاء الانطلاقة الرسمية لمشروع إنتاج وجمع وتسويق الحليب ومشتقاته، بدوار بني ملالة التابع لجماعة كندر سيدي خيار.
وحسب رئيس التعاونية فإن المشروع يهم أزيد من 180 منخرطا من المنطقة، وتم تمويله من طرف الصندوق الدولي للتنمية الفلاحية (FIDA) بشراكة مع وزارة الفلاحة (المغرب الأخضر)، ممثلة في المديرية الإقليمية بصفرو، وإدارة المياه والغابات، مشيرا إلى أن القيمة الإجمالية للبرنامج بلغت 200 مليون سنتيم.
ورغم أهمية المشروع، الذي سيمكن الساكنة من الانخراط في التنمية الفلاحية والاجتماعية للمنطقة، لم يخف رئيس التعاونية تذمره من مقلع للرمال تم الترخيص له بالمنطقة، مسجلا استغرابه من تمكينه من رخصة الاستغلال في منطقة ذات أهمية وطنية “Périmètre d’Intèrêt National” (pin).
وعبر رئيس تعاونية “عين الكبير”، في حديثه لجريدة “الديار”، عن تخوفه من تأثير الغبار وانتشار الأتربة الذي تخلفه الشاحنات واستخراج مواد البناء من المقلع، المستغل من طرف شركة “كرافازيل”، والذي لا يبعد عن التعاونية إلا بـ600 متر تقريبا، على جودة الحليب والمنتوجات التي ستسوقها التعاونية.
شكايات بدون رد
ضرر مقلع شركة “كرافازيل” لا يعني تعاونية الحليب فقط، بل تعداه إلى ساكنة بني ملالة، حيث كشفت وثائق، حصلت جريدة “الديار” على نسخ منها، عن العديد من الشكايات والعرائض الموقعة من طرف الساكنة، إلى المسؤولين.
وفي هذا السياق، طالبت ساكنة بني ملالة سيدي خيار من زينب العدوي، الوالي المفتش العام لوزارة الداخلية، رفع الضرر وتوقيف أشغال مقلع “كرافازيل” في رسالة بتاريخ 22 أبريل 2019.
وأشارت الساكنة في الرسالة ذاتها إلى معاناتها من التلوث الناجم عن المقلع وتأثيره السلبي على الصحة و تهديده سلامة أطفال الدوار، مشددين على تسبب بداية الأشغال، كذلك، في إتلاف المحاصيل الفلاحية.
“الرسالة الموجهة إلى العدوي، يقول أحد سكان الدوار، واحدة من بين رسائل عديدة لم نتلقى ردا حولها”، مشيرا إلى أن آخر شكاية تم تقديمها، حول الموضوع، وُجهت إلى عامل إقليم صفرو، عن طريق محامية من هيئة الرباط.
وحسب رسالة المحامية جميلة السيوري، تم وضعها لدى مصالح عمالة إقليم صفرو بتاريخ 20 فبراير 2019، والتي تطالب فيها بالبث في صلاحية مسطرة المقلع، فإن الساكنة تفاجأت بالشروع في استغلال المقلع وتهيئ الطريق المؤدية إليه مما تسبب في تلوث الجو وإلحاق الضرر بصحة الساكنة، مشددة على أن استعمال المفرقعات تسبب في تشققات ببعض المنازل القريبة من الموقع بحوالي 200 متر تقريبا.
وأوضحت المحامية أن مكان تواجد المقلع يعتبر منطقة فلاحية من جهة، كما يتواجد في المدار السياحي فاس-إفران مما يجعلها رائدة في السياحة القروية، مشيرة إلى أن الترخيص باستغلال هذا المقلع كان وفقا للقانون القديم الذي كانت تعتريه نقائص فيما يخص حماية البيئة، قبل أن تحيل عامل الإقليم على القانون الجديد الخاص باستغلال المقالع 27.13 للمطالبة بتحيين إجراءات الملائمة وإعادة البث في ملف دفتر التحملات الخاص بهذا المقلع.
سياحة مع وقف التنفيذ
وتطرقت المحامية السيوري في شكايتها إلى تضرر مشروع سياحي بالمنطقة، أيضا، من بداية الأشغال بالمقلع المذكور، مشددة على أن صاحب “ضيعة للضيافة” لم يكن يعلم بوجود مشروع لاستخراج الرمال بالمنطقة عندما استثمر أمواله وحين حصوله على الرخصة سنة 2014، ليشرع في العمل لمدة 4 سنوات قبل أن يتقدم بطلب لتوسعة المشروع.
“أصحاب المشروع ليسوا مجانين، إلى هذه الدرجة، ليضعوا أموالهم في مشروع سياحي قروي على مسافة 600 متر من مقلع للرمال” يعلق مصدر مقرب من مسير “ضيعة الضيافة”، قبل أن يضيف أن المشروع كلف، إلى حدود اللحظة، أزيد من 700 مليون سنتيم تم جلبها كعملة صعبة من الخارج بطريقة قانونية وشفافة.
محدثنا، الذي رفض الكشف عن اسمه، كشف أن صاحب المشروع فوجئ، كباقي سكان المنطقة، بالحديث عن انطلاق الأشغال بالمقلع، مما اضطره إلى مراسلة والي جهة فاس مكناس بتاريخ 6 يونيو 2017، “ليبدأ منذ هذا التاريخ ما وصفه بالماراطون بين الإدارات والمصالح المعنية لإنقاذ مشروعه السياحي، الذي حقق تأثيرا إيجابيا على مستوى التنمية المستدامة” يقول المصدر نفسه.
وتابع المصدر ذاته مسترسلا: ” أغلب المسؤولين المعنيين بالملف يواجهون طلبات رفع الضرر بكون صاحب المقلع يتوفر على الرخصة منذ 2013 وأنه يشتغل وفق القانون.. رغم أن العمل بالمقلع لم ينطلق إلا في الأشهر الأخيرة من 2018″.
من نصدق؟
بتاريخ 24 أكتوبر 2017، وجه رشيد أزلماط، مالك شركة ” كرافازيل” رسالة جوابية إلى عامل إقليم صفرو يؤكد من خلالها أن العمل بالمقلع المثير للجدل انطلق في أجل 6 أشهر المنصوص عليها في دفتر التحملات، مضيفا أن استخراج مواد المقلع تم منذ سنة 2014.
هذه المعطيات تم نفيها، بشكل قاطع، من طرف جميع من تحدثت إليهم “الديار”، بل حصلت الجريدة على محضر معاينة بتاريخ 5 فبراير 2018، يكشف فيه مفوضين قضائيين، تابعين للمحكمة الابتدائية بصفرو، “وجود أرض عارية ليست بها أي أشغال لاستخراج الرمال أو الأحجار، ولا وجود بهذه الأرض لآليات ولا معدات ولا لشاحنات تدل على وجود مقلع في حالة إنتاج فعلي..”.
وكشفت الوثائق عن تناقضات أخرى، من بينها حديث قائد قيادة آيت يوسي، في مراسلة إلى أحد سكان دوار بني ملالة بتاريخ 15 أبريل 2019، عن استماعه لساكنة المنطقة الذين أكدوا أنه لم يتم تسجيل أي ضرر جراء هذه الأشغال، في الوقت الذي تتوفر فيه جريدة “الديار” على لوائح المتضررين من “جيران” المقلع وتوقيعاتهم ضمن مرفقات الشكايات والعرائض.
“الزفت” و”السيما”
من جهة أخرى، تستعد ساكنة جماعة سيدي خيار لتوجيه طلب رفع الضرر وإيقاف أشغال تكرير مواد تعبيد الطرق (الزفت) إلى المسؤولين.
وتحدثت الرسالة المزمع توجيهها إلى عامل إقليم صفرو ورئيس الجماعة، نتوفر على نسخة منها، “عن الضرر البيئي الخطير الذي تخلفه صناعة هذه المادة وتأثيرها على صحة الساكنة، وكذا على الماشية والفلاحة، مؤكدة على استعداد الجميع من أجل دعم المشاريع التنموية التي تعود بالخير على المنطقة.
وتعاني المنطقة، أيضا، من مقلع تستغله شركة للإسمنت، حيث أشارت ساكنة دوار بني ملالة إلى توقفه عن الاستغلال دون أن يتم ملأ الحفرة التي خلفها استخراج الرمال وعدم القيام بعملية التشجير تطبيقا لدفتر التحملات، مما يشكل خطرا على الأطفال خصوصا خلال فصل الشتاء، في غياب تام لرئيس الجماعة، تسترسل الساكنة.
وفجر مستشار بجماعة كندر سيدي خيار مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكد أن لا علم له بموضوع “الزفت” وأنه لا يتوفر على أي معلومات، قبل أن يضيف: :معارفوش حتى ديالمن!.. أنا بعدا موصلاتني حتى ورقة على هادشي!”.
“باراكا من الكاريانات”
“صرخة” رفعها المجتمع المدني بإقليم صفرو، مؤخرا، في “حراك بيئي” لدفع “لوبي” المقالع” إلى احترام دفاتر التحملات، بعد الشكوك التي أضحت تشوب عملية الترخيص بعدما اتضح أن أغلب المقالع بالإقليم توجد في منطقة “الحزام الأخضر” الممتد من جماعة سيدي يوسف بن أحمد إلى جماعة كندر سيدي خيار وهي المناطق المصنفة ذات أهمية وطنية “PIN”.
رفض الترخيص للمقالع بالمنطقة أوصت به، كذلك، دراسة حول التهيئة الحضرية لـ”فاس الكبير”، حيث طالبت هذه الدراسة المنجزة في دجنبر 2016، نتوفر على نسخة منها، بتحويل صفرو إلى مدينة خضراء واستغلال المؤهلات الطبيعية والتاريخية لمحور صفرو البهاليل باعتماد مجموعة من التدابير أهمها: “التخفيض التدريجي (بعد ذلك إلغاء) جميع أشكال “التلوث/الإزعاج”، وتحديدا الناجمة عن المقالع.