يونس مسكين: “أخنوش فعل في “الأحرار” ما يفعله الفيل في محل الخزف”
قد يبدو هذا الرأي مفاجئا للبعض، لكنني أقولها جازما: حزب التجمع الوطني للأحرار أكبر خاسر ومتضرر وهو الضحية الأولى لصعود عزيز أخنوش السياسي.
ودعوني أسجلها منذ البداية، حجم الدمار الذي أصاب المغرب في البنية الصلبة لدولته، منذ النزول المفاجئ لأخنوش (أو ما يمثله أخنوش) على رأس حزب الحمامة في تلك الليلة المشهودة التي أعقبت انتخابات 7 أكتوبر التشريعية، يساوي من حيث حجمه وأثره وقوع الكوارث الطبيعية والجوائح الكبرى، أقلها تجريف شامل للمشهد السياسي والإعلامي والحزبي والنقابي، وأبرزها ضياع حزبين أساسيين في المنظومة الحزبية المغربية، على علاتها وعيوبها، إلا أنها ظلت دائما تشكل جزءا من التوازن القائم طيلة ربع قرن الماضي، وأقصد هنا كلا من حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب العدالة والتنمية.
نعم أعرف أن الكثيرين سيستغربون هذا الحديث، وسيقولون عن أية أحزاب تتحدث؟ ألم تجد سوى حزبين محافظين “مخزنيين” لتضرب بهما المثال؟
لكن عذرا، طريقتي الشخصية في النظر الى الأمور تجعلني أنسّب الأحكام، وأتجنب المواقف الجذرية والمطلقة، وأميل أكثر إلى النظر الى الجزء الايجابي في الأشياء (والاشخاص)، وبالتالي أعتبر ألا وجود للخير المطلق ولا للشر المطلق.
وإذا تحدثنا من داخل الوضع القائم دون مثاليات ولا أحلام، فإن حزب العدالة والتنمية كان عنصر حيوية ومنح الطاقة الإيجابية للحياة السياسية المغربية منذ تأسيسه، كما كان حزب التجمع الوطني للأحرار، بما هو حزب إداري، من صنع السلطة، فارغ تماما أو يكاد من أية حمولة فكرية أو ايديولوجية عدا الولاء للسلطة، (كان) على الأقل يمثل خزانا للتكنوقراط، تصبغ السلطة من شاءت تعيينهم في الحكومة بألوانه، وتكمل به أحزاب اليسار واليمين أغلبيتها دون كثير جدل أو خلاف… إلى أن جاء أخنوش.
منذ تلك الليلة، عشنا كارثة البلوكاج التي لا يمكن ولا يعقل أن تكون قد مرت دون أن تخلف انعكاسات خطيرة على اقتصاد البلاد وتماسكها وصورتها في الخارج… ثم عشنا سنوات حكومة تصريف الأعمال مع كثير من الضجيج والتنابز العقيم وهدر الزمن السياسي ومنع مواصلة الإصلاحات الأساسية والضرورية في التعليم والصحة والتشغيل، لأن أخنوش كان يجوب البلاد مرددا أن حزبه أحق بهذه القطاعات…
اليوم وبعد القتل غير الرحيم لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 8 شتنبر، والانتخابات شبه الغائبة (ما زلت مصرا على أننا لم نعرف انتخابات تشريعية أصلا في 8 شتنبر، بل تم دمجها في انتخابات محلية يحكمها كل شيء إلا السياسة)، وبعد فرض حالة الهيمنة الشاملة وغير المقنعة للثلاثي الأغلبي، وتشطيب الساحة مما تبقى من بؤر النقاش والنقد والتفاعل بين الأفكار والاختيارات والمشاريع، ضيع حزب التجمع الوطني للأحرار صورته التقليدية كعش للحمائم، وبات أعضاؤه اليوم مطالبين بدفع ضريبة الصعود العاصف لأخنوش وما أثاره من سخط وتذمر وربط اسم الحزب بكل ما جرى ويجري من دمار ونسف لأسس، لم تكن يوما محط إجماع أو تأييد، إلا أنها كانت ترفع السقف الذي يمكن أن نختلف تحته… ولن يكون حزب التجمع الوطني للأحرار بعد اليوم ذلك “الحزب الفاصل”، ولا “سويسرا” الأحزاب المغربية في معنيي الثروة والحياد، ولا تلك القناة الهادئة المستقرة التي تعبر منها النخب غير المسيسة إلى قلب السلطة.
لكل هذا، كل التضامن مع التجمعيين الحقيقيين الذين فعل أخنوش بحزبهم ما يفعله الفيل في محل الخزف، ليس لأنهم أصحاب فكرة ملهمة أو شجاعة أو فريدة، بل لأنهم على الأقل لم يزيدوا يوما فوق سقف الموالاة، حمل أجندة تخريب أو تحطيم، وكانوا يقدمون على اختيار، قد لا نتفق معه، لكنه يظل اختيار.
تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة