بدر عرفات: من المستفيد من “الفساد الانتخابي” وبقاء مدان بـ”شهادة كاذبة” على رأس جماعة؟.. “الديار” تكشف تفاصيل “مهزلة سياسية” بإقليم صفرو
حصلت جريدة “الديار” على معطيات مثيرة حول “فضيحة سياسية” بإقليم صفرو، جرت وقائعها قبل سنوات، وتحديدا خلال مرحلة الإعداد للانتخابات الجماعية لسنة 2015، والولاية الانتدابية 2015-2021 بجماعة عزابة.
ففي مفاجأة مدوية، توصلت جريدة “الديار” بالقرار عدد: 562/4، المؤرخ في فاتح يوليوز 2015، الصادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، في الطعن الذي قدمه رشيد كضي، الرئيس الحالي للمجلس الجماعي لعزابة، بإقليم صفرو، وعضو مجلس جهة فاس مكناس عن حزب التجمع الوطني للأحرار، ضد النيابة العامة في الملف الجنحي (التزوير في محرر رسمي) عدد 8156/6/4/2015، والقاضي (القرار) برفض طلبه وتأييد الحكم الاستئنافي ضده.
وكانت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بفاس، قد قضت في حكمها رقم 171 بتاريخ 24 فبراير 2015، بإدانته من أجل جنحة “الإدلاء ببيانات مخالفة للحقيقة أمام عدل” ومعاقبته بـ6 أشهر حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 500 درهم، على غرار متهمين آخرين في نفس القضية، وبأدائه تضامنا مع باقي المحكومين معه تعويضا مدنيا قدره 15 ألف درهم لفائدة المطالبين بالحق المدني، في الملف رقم 227/2611/2014.
“إلى هنا، الأمور تبقى عادية، وهذا النوع من القضايا تعج به المحاكم المغربية، رغم أن المعني بالأمر، كان في تاريخ صدور قرار محكمة النقض أعلاه، يشغل منصب رئيس نفس الجماعة الترابية”، تورد مصادر مطلعة لجريدة “الديار”. “لكن “غير العادي” هو ترشحه للاستحقاقات الجماعية التي أجريت بتاريخ 4 شتنبر 2015، شهران تقريبا، على صدور الحكم النهائي الحائز لقوة الشيء المقضي به ضده، وتحديدا في الدائرة 11، والتي أعادته، مرة أخرى، لمنصب رئاسة جماعة عزابة، باسم حزب الحركة الشعبية آنذاك”، تستطرد.
وأوضحت المصادر نفسها، في هذا السياق، أن رشيد كضي، سقطت عنه شروط الترشح بعد قرار محكمة النقض، حسب مدونة الانتخابات، في نسختها المحينة بتاريخ 6 ابريل 2015، حيث تنص على: “يشترط في من يترشح للانتخابات أن يكون ناخبا وبالغا من العمر 21 سنة شمسية كاملة على الأقل في التاريخ المحدد للاقتراع”.
“وبالرجوع إلى القانون 11-57، المتعلق باللوائح الانتخابية وعمليات الاستفتاء، وشروط القيد وفقدان الأهلية الانتخابية، حيث تنص الفقرة 2 (ب) من المادة 7 على أنه لا يمكن أن يقيد في اللوائح الانتخابية الأفراد المحكوم عليهم نهائيا بعقوبة حبس نافذة كيفما كانت مدتها أو عقوبة حبس مع إيقاف التنفيذ لمدة تتجاوز 3 أشهر أو غرامة من أجل جناية أو جنحة “خيانة الأمانة” و”شهادة الزور” أو تزوير الأوراق العرفية أو الوثائق الإدارية أو الشهادات”، تضيف مصادرنا. كما تنص الفقرة 2 (د) من نفس المادة على أنه أنه لا يمكن أن يقيد في اللوائح الانتخابية الأفراد المحكوم عليهم بعقوبة حبس لمدة تتجاوز 3 اشهر أو عقوبة حبس لمدة تتجاوز 6 اشهر مع إيقاف التنفيذ من أجل اي جريمة غير الجرائم المشار إليها في البندين (ب) و(ج)، مشيرة إلى أن رئيس جماعة عزابة أدين في ملف “تزوير محرر رسمي” عن طريق “الإدلاء بتصريحات مخالفة للحقيقة أمام عدل”، وحكم بعقوبة حبس 6 أشهر موقوفة التنفيذ، قبل أن تخلص إلى أن حكم محكمة النقض برفض طلب رشيد كضي يسقط عنه صفة “الناخب”، وبالتالي لا يحق له الترشح للانتخابات.
وشددت المصادر على أنها تتحدث، فقط، عن انتخابات 2015 وليس انتخابات 2021 الأخيرة، لأنه وحسب المادة 8 من القانون 11-57، يحق للأشخاص المحكوم عليهم بإحدى العقوبات المشار إليها في المادة 7 أن يطلبوا قيدهم في اللوائح الانتخابية بعد انصرام 5 سنوات من تاريخ الحكم النهائي إذا تعلق الأمر بعقوبة موقوفة التنفيذ.
وعن احتمال حصول رشيد كضي على “رد الاعتبار” قبل تقديمه ملف الترشح في الانتخابات الجماعية لسنة 2015، أكدت المصادر، في ردها على ملاحظة جريدة “الديار”، على أن طلب رد الاعتبار القضائي، حسب قانون المسطرة الجنائية المغربي، يقدم بعد انتهاء أجل ثلاث سنوات باستثناء بعض الحالات، التي قد يخفض فيها الأجل أو يرفع، وحدده المشرع في سنتين، إذا كانت العقوبة صادرة من أجل جنحة غير عمدية، وبعد سنة واحدة إذا انحصرت العقوبة في غرامة فقط. وبعد خمس سنوات في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية، وبعد خمس سنوات من يوم الإفراج عن المحكوم عليه، الذي يوجد في حالة عود وكذا الصادر في حقه حكم بعقوبة جديدة سالبة للحرية بعد رد الاعتبار إليه، غير أنه إذا كانت العقوبة الجديدة عقوبة جنائية رفعت فترة الاختبار إلى عشر سنوات.
إذن، استبعدت مصادرنا، بشكل حاسم، إمكانية حصول رئيس جماعة عزابة على رد الاعتبار قبل الترشح سنة 2015.
وأبرزت، في نفس الوقت، على أن “الفضيحة”، وفق تعبيرها، لا تقتصر فقط على السماح بمشاركته في الانتخابات، وإنما تتعداها إلى عدم التشطيب عليه من اللوائح الانتخابية والطعن في ترشحه وعزله من رئاسة جماعة عزابة طيلة الفترة الانتدابية 2015-2021، مسجلة أن القانون (الباب الثالث الخاص بمراجعة اللوائح الانتخابية) يؤكد على تحيين اللوائح الانتخابية كل سنة، والتشطيب على من لا تتوفر فيهم الشروط الخاصة للحصول على صفة ناخب، “إذا افترضنا أن المسؤولين لم يتوصلوا بحكم محكمة النقض قبل إجراء الانتخابات، وتوصلوا بها سنة 2016 أو 2017 او حتى سنة 2018!”، وفق تعبير المصادر، التي اختارت عدم الكشف عن هويتها.
وأحالت المصادر نفسها جريدة “الديار” على قرار المحكمة الدستورية رقم 171/22 القاضي بعزل بدر طاهيري من البرلمان بعد الحكم عليه بفقدان الأهلية التجارية بناء على حكم المحكمة التجارية بمكناس، في مخالفة للمادة 7 من القانون رقم 57.11 المشار إليه، حيث عللت حكمها بكون :”اللوائح الانتخابية العامة هي المعتمدة وحدها لإجراء الاقتراع موضوع الطعن، ومن جهة ثانية، أن موانع الأهلية الانتخابية الخاصة بالاقتراع موضوع الطعن، هي المنصوص عليها في القانون رقم 57.11 السالف ذكره،ومن جهة ثالثة، أنه متى طرأ على المطعون في انتخابه، وقت إيداع ترشيحه، مانع من موانع الأهلية الانتخابية، ترتب عن ذلك، بالتبعية، فقدانه أهلية الترشح للاقتراع موضوع الطعن”، حسب نص القرار، نتوفر على نسخة منه.
لكن، كيف تمكن رشيد كضي من الترشح لانتخابات 2015 رغم إدانته، بحكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به؟ ولماذا تم “التغاضي” عن التشطيب عنه من اللوائح الانتخابية وعزله طيلة الولاية السابقة (2015-2021)؟ ولماذا تصلح القوانين إذا لم تطبق على الجميع بدون استثناء؟
بدر عرفات، كاتب فرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بصفرو ومؤطر ملاحظي الانتخابات عن النسيج الجمعوي لرصد الانتخابات، وفي تعليق على تساؤلات جريدة “الديار”، إثر اطلاعه على تفاصيل الملف المثير للجدل، قال إن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه، وكذلك، السعي للحصول على جواب عنه، هو: “من المستفيد من عدم تطبيق القانون، ومن بقاء هذا الشخص على رأس جماعة عزابة؟”.
وزاد عرفات: “أستعبد أن تكون السلطات على “غير علم” بالحكم ضد رشيد كضي، مما يضعها في موضع شبهة “غض الطرف” عن المعني بالأمر عندما تقدم بملف ترشيحه في استحقاقات 2015 الجماعية”، مضيفا أنه من المفروض أن يتوصل المسؤولون، في الإدارة الترابية، عن تدبير والإشراف على الانتخابات بمنطوق الحكم النهائي مباشرة بعد صدوره، بإحدى وسائل التبليغ المتوفرة لديهم، والمنصوص عليها قانونا.
“كما أننا لا نجد أي عذر لهؤلاء المسؤولين في قبول ترشيح مدان بـ”شهادة كاذبة” في ملف “تزوير محرر رسمي”، حسب المادة 7 من القانون 11-57، دون تنقيطه، أو مراجعة سجله العدلي، الذي يفترض أنه تقدم به في ملف ترشيحه، للتأكد من أهلية قيده في اللوائح الانتخابية وترشحه، ومن قانونية رئاسته للجماعة، مادام أن الأمر يتعلق باستحقاق وطني ديموقراطي في إطار تكافؤ الفرص”، يسجل المتحدث نفسه.
بل أكثر من هذا، وحسب مصدرنا الحقوقي، فإن “المثير للاشمئزاز”، وفق تعبيره، هو أن لا أحد من المسؤولين المحددين بصفاتهم ورتبهم، والذين يملكون الحق في التشطيب على رئيس جماعة عزابة، خلال المراجعات السنوية للوائح الانتخابية المنصوص على تفاصيلها في القانون 11-57، كلف نفسه عناء القيام بواجبه القانوني، ما جعله يعيد طرح سؤال “من المستفيد من تعطيل القانون؟”، باستنكار شديد.
وذكر بدر عرفات أنه في الوقت الذي تدعو فيه أعلى سلطة في البلاد إلى تخليق الحياة السياسية، نجد في إقليم صفرو من يسبح ضد التيار ويسابق الزمن لإفراغ العملية الانتخابية من مصداقيتها، عبر تشجيع “الفساد الانتخابي” وصنع خريطة انتخابية على المقاس، معلقا بغضب: “ماذا سننتظر من شخص مدان “بتقديم إشهاد كاذب أمام عدل” أن يقدم للبلاد أو العباد؟”، على واقعة تقدم المعني بالأمر إلى الانتخابات بعد إدانته، ليخلص إلى أن هذه الممارسات “تنفر” الشباب وتبث اليأس في نفوسهم، ما يمنحهم مبررا قويا لـ”مقاطعة” الانتخابات ولـ”العزوف”، بنسب مهمة، عن المساهمة في اختيار مسيري الشأن العام، وبالتالي تخلفهم عن المساهمة في تنمية البلاد.
وفي ختام تصريحه لجريدة “الديار”، أبرز مصدرنا أن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فرع صفرو، ستتابع هذا الملف، مع دراسة إمكانية اللجوء إلى القضاء، وإلى جهات أخرى، من أجل المطالبة بفتح تحقيق في شبهات “التواطؤ” والمساهمة في هذه “المهزلة السياسية”.