“حياة الماعز”.. أو عندما أنقذت الصدفة مغربية من جحيم “الكفيل”
لا حديث، منذ فترة ليست بالقصيرة، سوى عن الفيلم الهندي “حياة الماعز” والرّجة التي خلفها في نظام “الكفيل” بالمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج.
الفيلم من إنتاج منصة “نيتفليكس”، والمستوحى من رواية صدرت عام 2008، يحكي قصة هندي سافر إلى السعودية من أجل العمل وتحسين وضعه ومساعدة عائلته الفقيرة، قبل أن يدخل في دوامة من المعاناة والعذاب، هزت مشاهدي الفيلم عبر العالم.
لن ندخل في تفاصيل الفيلم، وكيف استطاعت المدة التي استغرقها (3 ساعات تقريبا) تدمير سمعة دولة من أغنى البلدان. بل يمكن القول إن الشريط السينمائي تمكن من تحطيم كل ما بناه حكام السعودية الجدد خلال السنوات القليلة الماضية، بعد إنفاقهم الملايير من الدولارات لتحسين صورة المملكة في الخارج وتسويق “التغيير”، بقيادة تركي آل الشيخ، عراب “الترفيه” ببلاد الحرمين الشريفين، مما يؤكد على قوة وتأثير “الصورة” و”الإعلام” أمام تغول المال.
وإنما سنحكي قصة “حياة الماعز.. النسخة المغربية”، بطلتها سيدة تنحدر من مدينة حب الملوك، كانت الضجة التي خلفها الفيلم مناسبة لنسمع قصتها، التي جرت أطوارها سنة 2016، على لسان “منقذها” من جحيم نظام “الكفيل”، بعد أن دفعتها “القهرة” ومرض والدتها إلى البحث عن عمل في السعودية.
محامي شاب في سرده لقصة إنقاذ السيدة لجريدة “الديار” قال إن الصدفة وحدها من قادته إلى مشاهدة تسجيل “فيديو” لسيدة مغربية في مقتبل العمر، على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، تستنجد لتخليصها من يد “الكفيل” ومساعدتها على مغادرة السعودية، مشددا على أن “صرختها” قطعها نفاذ بطارية الهاتف النقال الذي استعملته لتسجيل “المناشدة”.
وأضاف المحامي بهيئة فاس، رفض بشكل قاطع الكشف عن هويته، أن مشاهدته لهذا المقطع، تزامن مع اتصاله بأحد أصدقائه المقيمين بالديار السعودية، حيث لم يتردد في إخباره بما شاهده، خصوصا أن صاحبة الشريط أكدت أنها تنحدر من مدينة صفرو، قبل أن يتفقا على محاولة البحث عن وسيلة للتواصل معها.
محدثنا أبرز أنه لم يجد بدا من الاتصال برئيس جمعية محترمة بالمدينة، الذي أكد أن عائلة السيدة سبق أن طرقت أبوابه من أجل المؤازرة والدعم، حيث انتقلا إلى منزل العائلة للحصول على رقمها الهاتفي، بهدف منحه للصديق المقيم بالسعودية.
“الرقم لم يكن مشغلا، وهو المعطى الذي يؤكد تصريح ابنة صفرو في التسجيل أن هاتفها نفذت بطاريته”، يورد المصدر، قبل أن يستدرك: “لحسن الحظ، صديقنا في السعودية نبهنا أن نبحث في الوثائق المتوفرة لدى عائلتها عن اسم “الكفيل” ورقمه”.
بعد مرور أيام على تزويد المحامي صديقه المقيم بالسعودية برقم “الكفيل”، سيتفاجأ بتوصله برسالة على تطبيق للتراسل الفوري تحمل نسخة من تذكرة طائرة من السعودية إلى مطار الدار البيضاء تحمل اسم “الضحية”، بعد أن تمكن رجل الأعمال بمساعدة قيمة من شريكه السعودي، الذي كان له دور كبير في الوصول إليها وتخليصها من معاناتها.
إلى حدود توصله بنسخة التذكرة، لم يكن صديقنا المحامي يعلم شيئا عما عانته السيدة في السعودية، حتى أنها، هي الأخرى، لا تعرف شيئا عن دوره في إنقاذها (وهو الأمر الذي استمر إلى حدود كتابة هذه الأسطر)، قبل أن يلتقيها في إطار مهني يخص والدتها، حيث قامت بإخباره بتفاصيل عذابها، الذي انطلق مباشرة بعد تعرضها لوعكة صحية أثناء اشتغالها في بيت “الكفيل”.
مع ظهور أولى أعراض إصابتها بالمرض، رفض “الكفيل” بأي شكل من الأشكال عرضها على الطبيب، حيث أصر على تناولها الدواء فقط، مع الاستمرار في تأدية واجباتها كعاملة منزل، مع تعريضها لشتى أنواع التنكيل عند مطالبتها التوجه إلى المستشفى.
تدهورت حالتها الصحية، مع تواصل المنع والتعذيب، لتقرر تسجيل الشريط، وتحاول الفرار لمعاينة الطبيب دون علم “الكفيل”، ما تسبب في توقيفها من طرف الشرطة وزجها في السجن، قبل أن يتدخل أبناء مدينتها لإنقاذها وترحيلها إلى المغرب.
صرخة ابنة صفرو وخروج شريطها إلى العلن وتخليصها من طرف شباب المدينة بمبادرة عفوية، تلاها ظهور أشرطة، بنفس المحتوى تقريبا، تحمل استنجادا من مغاربة ومغربيات، تدخلت وزارة الخارجية، في حالتهم، لإنقاذهم من “الكفيل”.
وجه آخر لـ”العبودية” و”الاتجار في البشر” فضحهما فيلم “حياة الماعز” ومحنة السيدة “الصفريوية”، نتمنى صادقين أن يوضع حد لها، على أمل وقف معاناة الآلاف، لا ذنب لهم سوى لجوئهم للاغتراب كحل للبحث عن مورد رزق وعيش كريم، في ظل انتشار البطالة والأزمة التي تنخر بلدانهم الأصلية.