نبيل الريفي يكتب: تازة.. هبة إنسانية وسط زحف عقاري بلا ضمير

في جلسة المجلس الأخيرة، رفع العقاريون، الذين يملكون مئات الهكتارات وعشرات التجزئات السكنية في تازة ومحيطها، أيديهم للمصادقة على قبول هبة أرضية مساحتها هكتار واحد، تبرعت بها عائلة كريمة لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بعالم العقار، لاستغلالها كمقبرة. مبادرة نبيلة تُسجل لهذه العائلة وتستحق كل الشكر والتقدير، فقد ساهمت في تلبية حاجة مجتمعية مُلحّة دون انتظار مقابل أو مصلحة.

لكن خلف هذا المشهد الإنساني، تتكشف مفارقة صارخة عن واقع المدينة. تازة اليوم ليست سوى رقعة من الأراضي يراها العقاريون فرصًا ذهبية للاغتناء السريع. هنا، لا يكفي رأس المال العقاري وحده، بل يحتاج إلى “توابل” السياسة. منصب سياسي يسمح بالتحايل على معايير التجهيز، وتجاوز تعقيدات الرخص، وتليين مساطر التسليم وشروطها الصارمة. بهذه الوصفة السحرية، يتحول العقار إلى منجم ذهب، بينما تبقى المصلحة العامة مجرد تفصيل مُهمل.

المؤلم أن أحدًا من هؤلاء “المستثمرين” لم يفكر يومًا في التبرع ولو بجزء يسير من أراضيه لدفن موتى المسلمين. أولئك الذين يُتقنون السعي خلف المناصب السياسية، حتى ولو استلزم ذلك استخدام أكثر الأساليب انحطاطًا، يتجاهلون في المقابل أبسط واجباتهم تجاه مجتمعهم.

والنتيجة؟ مدينة مخربة، مهمشة، فقدت بساتينها الخضراء ومنابعها الصافية، واكتسحها الزحف العقاري دون أدنى اعتبار للبيئة أو كرامة الإنسان. تحولت تازة إلى مساحة عشوائية تتكدس فيها الإسمنتيات بلا روح ولا تخطيط، بينما تلاشى الحس الجمالي والحضاري الذي كانت المدينة تفخر به منذ فجر التاريخ.

أما رجالها الأوفياء فقد غادروها أو أُجبروا على الصمت، وتحول مثقفوها إلى خدام للساسة، يقتاتون من فتات “ريع الثقافة”، بينما جفت أقلام الكتّاب واختفى صوت النقد الحر. صمت عام خيّم على المدينة، وكأن الجميع تواطأ بطريقة أو بأخرى في هذه المهزلة.

واهم من يظن أن الزمن والعدل الإلهي سيغض الطرف عن جرائم التعمير التي ارتُكبت في حق تازة. حتى وإن أفلت الفاعلون من المتابعات القضائية، فإن القصة لم تنتهِ بعد. فالتاريخ لا ينسى، والأيام دول بين الناس، تدور بحكمة إلهية لا تُخطئ.

ربما تأخرت العدالة، لكنها لا تضيع. والتاريخ كفيل بأن يكشف الحقيقة، مهما طال الزمان.