محمد كمال المريني يكتب: تأملات في الحقل الجمعوي

أذكر تعبيرا للفقيد محمد جسوس يقول فيه ما معناه “وحتى إن كان اسمي محمدا، فلست محمدا بن عبد الله، فلسنا أنبياء ولا رسلا”.. كلام العارف المقِر بمحدودية معارفه وهو المرجع السوسيولوجي الكبير، وفي زمن كان التدافع المجتمعي على أشده وعلى مستويات مختلفة.. وكانت الأحزاب والنقابات والجمعيات مشاتل لإنتاج النخب عبر التكوين والتثقيف الذاتي الذي ساهمت فيه اتحادات الجمعيات و الجمعيات المحلية بأداءها وأنشطتها الجماهيرية، وكذلك المجلات: أنفاس، الثقافة الجديدة، جسور، لاماليف… ثم وقع الإنفجار العظيم.

قبل “الإنفجار العظيم”، كان المجتمع المدني مركز ثقل مضاد للسلطة، فهو الصادح بٱمال الناس وتطلعاتهم وتوقهم للعيش الكريم، وكان بأداءه ومرافعاته فعلا مستقلا تطوعيا غير مرتهن بروزمانة السياسي، كان الفعل الجمعوي ” عملا لله” كما وصفه أحد الناشطين الجمعويين يعلي من الشأن العام والمصلحة العامة ويؤدي خدمة عمومية دون أن ينافس اليد العاملة ولا أن ينوب عن الإدارة في انجاز خدماتها.. مع الزمن وقع التغيير، والتغيير سنة الطبيعة وعلتها ابتداء أواخر العشرية الأخيرة من القرن الماضي وما رافق ذلك من فتح أنابيب التمويل أمام الجمعيات من طرف ” جهات مانحة” وبعدها مشاريع ” التنمية البشرية”… ثم وقع “الإنفجار”.

كانت ذروة “الإنفجار العظيم” مع ما سُمِّيَ بالربيع العربي، وقد وقفنا في المدينة السعيدة على رجل سلطة يؤسس الجمعيات لحوارييه وأتباعه وهو ما كان، إذ أصبحت الجمعيات أكثر من الهم على القلب وتشتغل في كل شيء دون أن تترك وقعا أو أثرا..” المُوهيم ناشطين و راكشين”، لا يهم ” الفاعل الجمعوي” وقع أنشطته أو مدى أملكه لمجال فعله وإن كان يتلائم مع أهداف الجمعية ومجالات تدخلها.. المهم رضى أولي الأمر والجهات المانحة لضمان التمويل، وإرضاء زبناء الجمعية( ومنهم أعضاءها) بإستراحة شاي ووجبة غذاء، لذا ليس غريبا أن نجد رؤساء جمعيات غير ملمين بالقوانين المنظمة والمؤطرة للعمل الجمعوي.. بل قد نجد بعض رؤساء الجماعات وبعض رجال السلطة يتعاملون مع الجمعيات وكأنها ملحقات لمصالحهم، ولعل ما يقع ” من الواد لهيه” في التجاذب حول تسيير مركز لدعم القدرات لأفضح مثال من تجييش للأتباع، ودعوات لحل الجمعية وغير ذلك في خرق واضح للمادة 7 من الظهير رقم 1.58.376 يضبط بموجـه حق تأسيس الجمعيات كما تم تعديله وتحيينه..
في الرغبة بالإطاحة بمكتب جمعية، عشرات الشكايات دُبجت، واجتماعات لا تعد عُقدت، وعوض أن يتم تقييم أداء الجمعية ومدى انجازها لبرنامج عملها وضمنه الشراكات المبرمة والتي تحتاج لتقييم من أجل تجويد البرامج والوقوف على مؤشرات التقدم في الإنجاز، يتم التركيز على ضرورة عقد جمع عام من أجل ” تنصيب ” مكتب جاهز..
ما يقع بذلك الربع العجيب تعبير عن تصور هيمني، يخفي من وراءه تراجعا رهيبا في إنتاج النخب والوعي والمعرفة، وهو مؤشر لقادم قاتم.
الجماعات الترابية مسؤولة عن التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لمجالات نفوذها وتدخلها وتحسين شروط العيش، وعلى السادة الرؤساء أن يعملوا على ذلك ويعملوا على أساس أنهم رؤساء كل الساكنة وليس فقط من انتخبهم في احترام القانون والديمقراطية التشاركية، والتعامل مع الأشخاص ذاتيين أو معنويين على قدم المساواة. وهو المطلوب من الإدارة أيضا.

تعبر المقالات المنشورة في منتدى الديارعن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة