عادل برادة يكتب: زمن الكورونا.. مواقف مواطنة
هل قامت مؤسسة مغرب الثقافات، شأنها شأن باقي المؤسسات العمومية والخصوصية وهيئات المجتمع المدني بالمغرب، بمراجعة نفسها وحساباتها اتجاه المجتمع المغربي، خلال هذه الفترة؟ وهي الفترة المعروفة بزمن الكورونا.
نحن كباحثين سوسيولوجيين أخذنا مثالا حيا لتقريب محاسبة الذات، وانطلقنا من مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني: مؤسسة مغرب الثقافات، أهدافها واضحة من خلال تسميتها، والتي تعمل من خلال مهرجان “موازين“، على استيراد ثقافات وإنتاجات متنوعة غريبة عن مجتمعنا: (أليس المغرب من بين خصوصياته وما يميزه هو التنوع والتعدد الثقافي؟)، ولو استدعى منها ذلك ميزانية باهضة التكلفة، مستفيذة من منح مؤسسات عمومية وخصوصية، صناعية كانت أم بنكية. ليستفيذ عوضها من هذه المنح، خلال هذه الظرفية الوبائية التي ألغيت فيها كل المهرجانات، صندوق دعم الأضرار الناجمة عن مخلفات جائحة كورونا، بالإضافة إلى تبرع مواطنين صالحين من داخل أو خارج المغرب بمبالغ قلًت أو عظمت، بما جادت يدا المتبرع وحسب طاقته، بل الحكمة هنا جاءت بدوافع المواطنَة والإنسانية وحب الآخر، يا لها من بادرة صالحة ومفيدة، نأمل بأن تظل سنة حسنة دائمة، مع مراعاة بعض التعديل والعدالة في توزيع الإعانات على كافة المتضررين، والمساواة بين جميع الشرائح والطبقات الإجتماعية المتضررة، سواء كانوا مسجلين بنظام الرعاية الصحية أم لا، يجب مساواتهم مع المنخرطين في صندوق الضمان الإجتماعي الذين فقدوا الشغل، لأنهم يعتبرون في كفة واحدة، لأنه يجب أن نعي تمام الوعي خاصة في هذه الظروف، بأننا جميعنا في سفينة واحدة، فإما أن نغرق جميعا، وإما أن نعبر إلى بر الأمان جميعا، فهذا الدرس هو من مِنَح مِحْنة وباء كورونا: درس في التضامن و التكافل الإجتماعي، درس في كيفية العمل الجماعي، لإقلاع اقتصادي و حراك في اتجاه تقدم وازدهار مجتمع بأكمله.
وفي المقابل، وكي لا تفوتنا الفرصة، يجب تسجيل ممارسات بعض المدارس الخصوصية، التي تطالب أولياء و آباء تلاميذها، عفوا زبنائها إذا صح التعبير، بدفع مستحقاتها خلال شهور الحجر، والتي لم تقدم لهم فيها أدنى خدمة في هذه المدة، والتي أغلقت فيها جميع المؤسسات التعليمية أبوابها، هل هذا تضامن من نوع آخر؟ هل هذا موقف: أنا وبعدي الطوفان؟ مما يستلزم علينا مراجعة أنفسنا نحن، في اتخاذ قرار توجيه أبنائنا للتعلم في المؤسسات المواطنة و ليس المقاولات الربحية، والتي يكون همها هو التنشئة الإجتماعية السليمة، و ليس فقط جني الأموال.
كل شيء أصبح جليا و واضحا في زمن الكورونا: أين تكمن الوطنية الصادقة، و أين يتجلى تغليب المصالح العامة على حساب الخاصة، المستثمر والمقاولة المواطنة، الموظف والعامل المخلص، من يحب الشعب ومكوناته، و ليس فقط من هدفه استغلال طاقاته وجيبه، من يضحي ومن يتفانى، و من…. و من يخدم الوطن و الآخر ، لا من أجل مقابل حظ مادي كان أم رمزي، بل بوطنية صادقة وبدافع إنساني عاطفي.
هل ما يعاني منه المغرب، هو فقط عدم إتاحة الفرص؟ وهل بالإضافة إلى ذلك، هناك احتقار طاقات أبنائه و استهتار بها؟
حين أغلقت الحدود الجوية والبحرية، جراء إجراء احترازي من انتشار الوباء، عن طريق أفراد وافدين من بؤر وبائية خارج المغرب، وجد المغرب نفسه أمام رهان الإعتماد على مصادره الذاتية، في مواجهة هذه الجائحة، و كان خياره الوحيد لا غير، لأن جميع الدول أوقفت جميع مبادلاتها التجارية مع الدول الأخرى، لتوفير و ادخار وسائل الحماية من الوباء لنفسها، بالإضافة إلى وسائل تكنولوجية طبية لمواجهته، و توفيرالأدوية لسد حاجياتها منها ومتطلبات فقط شعوبها، و قامت بمنع تصديرها، مبينة عن فردانيتها، و معبرة عن هشاشة تكتلاتها واجتماعها بدول العالم، والتي تربطها بها سوى المصالح المتبادلة. مما جعل المغرب يعيد ترتيب أوراقه في التعامل مع هذا الواقع الدولي، فبعد إحداث صندوق الدعم السالف الذكر، وضخ فيه ميزانية مهمة، فاقت ثماني عشرة ملايير من الدراهم، موجهة لمكافحة آثار كورونا الإقتصادية، و كذا لتعزيز المستشفيات، بالمعدات والمستلزمات الضرورية لمحاربة هذا الفيرروس المتطور، والتي كان قد جرى تطعيم هذه المستشفيات بالأطر الصحية المدنية و العسكرية، فأبانت عن كفاءاتها وتجندها في هذه المواجهة.
وفي ظل الارتفاع المسجل يوميا في عدد الإصابات بالفيروس، توقعت المنظومة الصحية احتمال حصول خصاص في عدة مجالات، سواء اللوجيستيكية منها الخاصة بمواد المختبرات للكشف السريع عن الإصابات، بالإضافة إلى ضرورة توفير مخزون كاف للأدوية الخاصة بمعالجة المصابين بهذا الداء. مما دفع الدولة إلى الإعتماد على الذات، واتخاذ قرارصناعة البروتوكول الدوائي محليا، والمتكون من عقاقير صيدلية، ومنع تتوجيهها للتصدير، ودفعها كذلك إلى اتخاذ قرار تشجيع وتمويل صناعة المواد الكيميائية اللازمة للتعقيم، وكذا المنتوجات الخاصة بالوقاية من الإصابة، من كمامات واقية، ووسائل أخرى من إبداع شباب مغاربة، وبتقنيات جد متطورة معتمدين في ذلك على وسائل تكنولوجية ومواد محلية، وفي ظل الخصاص الذي سوف تعرفه قاعات الإنعاش بالمستشفيات، إذا أخذ عدد الإصابات في الصعود، دفع الدولة إلى البحث في مسألة إيجاد بديل لجهاز التنفس الإصطناعي، والذي يشكل احتمال خصاص في وظيفته، حيث تم في ظرف قياسي، اختراع جهاز تلقائي جد متطور، من طرف عقول مغربية، جاء ثمرة هذا الصنع المغربي، والذي تظافرت في إنجازه عدة جهود وبمساهمة عدة جهات، علمية و صناعية وطبية، لتكون النتيجة إيجابية و جد مهمة، مما أكدت على ضرورة العمل كفريق منسجم وليس بالضرورة أن يكون متجانسا، بل يكفي بأن يكون فقط وطنيا محضا، وليتبين في الأخير على أن المغرب يتوفر على خزان من الطاقات والكفاءات، والتي ينبغي الثقة في حمولتها وقدراتها الفكرية وكفاءاتها، ما ينقصها سوى الفرصة كي تظهر، لذا وجب تشجيع الطاقات المحلية والإستثمار فيها، وتمويل أبحاثها و مشاريعها لإغناء عبقريتها، أليست هذه العقول هي تلك التي تهاجر إلى الدول المتقدمة الصناعية؟ فتستفيد من أفكارها و تستثمر فيها، وترفع اقتصادها بها وتغتني بفضل جدها و كدها، ليبقى المغرب مجرد مستورد و يستهلك منتجات من إبداع أبنائه، قادمة من الخارج.
فكفانا من احتقار رأسمالنا البشري، ولنعيدالثقة في أبناء هذاالوطن،لأنهم يشكلو ن رأسمالا رمزيا، وثروة لامادية، ورافعة اقتصادية حقيقية له. الكل في المغرب، سواء العقول أو الثروات، ما ينقصه سوى رد الإعتبار لأبنائه من أدمغة ومفكرين و الإعتراف بكفاءتهم و تقديرهم، مع حسن تدبير واستثمار كل معطياته من ثروة طبيعية أو موقع استراتيجي محسود عليه. فلنعتبر هذه اللحظة مجرد بداية، نعيد فيها ترتيب بيتنا الداخلي، لمواجهة رهانات المستقبل، ونعتمد على ذواتنا، وأنفسنا، ونضحي كي نعيش و أبنائنا في بلد يحتل مركزا متقدما بين الدول الغنية.
(تعبر المقالات المنشورة في “منتدى الديار” عن رأي أصحابها، ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الجريدة)